عَنْهُ؟ فَحُكِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِأُخَرَةٍ: إنَّ مُخْطِئَهُ مَأْثُومٌ، وَالْحُكْمُ بِخِلَافِهِ مَنْقُوضٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَصَمِّ وَمَنْ وَافَقَهُ، لِأَنَّهُ خَالَفَ دَلِيلًا قَطْعِيًّا. وَقِيلَ: بَلْ الْإِثْمُ مَحْطُوطٌ عَنْهُ.
وَحَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ عَنْ الْمَرِيسِيِّ وَالْأَصَمِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ. وَذَهَبَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ ظَنِّيٌّ، وَأَنَّ الْإِثْمَ مَوْضُوعٌ عَنْ مُخْطِئِهِ وَأَنَّ الْمُجْتَهِدَ كُلِّفَ طَلَبَهُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَهَلْ كُلِّفَ إصَابَتَهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ - أَوْ وَجْهَانِ -: (أَحَدُهُمَا) : نَعَمْ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَيُحْكَى عَنْ الْمُزَنِيّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَنَسَبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ إلَى الشَّافِعِيِّ، فَعَلَى هَذَا إنْ أَصَابَهُ الْمُجْتَهِدُ كَانَ مُصِيبًا عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنْ أَخْطَأَهُ كَانَ الْإِثْمُ مَرْفُوعًا عَنْهُ، وَلَهُ أَجْرٌ بِقَصْدِهِ الْحَقَّ. وَ (الثَّانِي) : وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَنُسِبَ إلَى الشَّافِعِيِّ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّفْ الْمُجْتَهِدَ إصَابَتَهُ، وَإِنَّمَا كَلَّفَهُ الِاجْتِهَادَ فِي طَلَبِهِ، فَكُلُّ مَنْ اجْتَهَدَ فِي طَلَبِهِ فَهُوَ مُصِيبٌ فِي اجْتِهَادِهِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى مَا كُلِّفَ. وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، فَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهِ، هَلْ الْحَقُّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَوْ نَقُولُ: الْحَقُّ وَاحِدٌ وَهُوَ أَشْبَهُ مَطْلُوبٍ إلَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُكَلَّفٌ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ، لِإِصَابَةِ الْأَشْبَهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِيهِ وَجْهَانِ: اخْتِيَارُ الْغَزَالِيِّ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ. وَبِالثَّانِي أَجَابَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ، وَحَكَوْهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ وَالدَّارَكِيِّ. انْتَهَى. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ هَلْ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ حُكْمًا مَطْلُوبًا هُوَ أَشْبَهُ بِحُكْمِ الْأَصْلِ فِي غَالِبِ ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ، فَلِهَذَا قِيلَ: هُنَاكَ أَشْبَهُ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ، فَقِيلَ: هُوَ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ. وَقِيلَ: هُوَ قُوَّةُ الشَّبَهِ لِقُوَّةِ الْأَمَارَةِ. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: هُوَ مَا لَوْ وَرَدَ بِهِ نَصٌّ لِطَابَقِهِ. قَالَ فِي " الْمَنْخُولِ ": وَهَذَا حُكْمٌ عَلَى الْغَيْبِ. وَقِيلَ: لَيْسَ هُنَاكَ أَشْبَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute