وَقَالَ فِي " شَرْحِ الْإِلْمَامِ ": يُمْكِنُ أَنْ يُجِيبَ الْعَنْبَرِيُّ عَمَّا رُدَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ تَبْيِيتِ الْمُشْتَرَكِينَ وَاغْتِرَارِهِمْ وَعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُعَانِدِ وَغَيْرِهِ، فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: الْمُكَلَّفُ مِنْهُ مَعَ إمْكَانِ النَّظَرِ بَيْنَ مُعَانِدٍ وَمُقَصِّرٍ، وَأَنَا أَقُولُ بِهَلَاكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. هَذَا إنْ كَانَ مَا قَالَا بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. وَأَمَّا الَّذِي حُكِيَ عَنْهُ مِنْ الْإِصَابَةِ فِي الْعَقَائِدِ الْقَطْعِيَّةِ فَبَاطِلٌ قَطْعًا، وَلَعَلَّهُ لَا يَقُولُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا الْمُخْطِئُ فِي الْأُصُولِ وَالْمُجَسِّمَةِ: فَلَا شَكَّ فِي تَأْثِيمِهِ وَتَفْسِيقِهِ وَتَضْلِيلِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي تَكْفِيرِهِ. وَلِلْأَشْعَرِيِّ قَوْلَانِ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَغَيْرُهُمَا: وَأَظْهَرُ مَذْهَبَيْهِ تَرْكُ التَّكْفِيرِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ " إكْفَارِ الْمُتَأَوِّلِينَ ": وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: رَجَعَ الْأَشْعَرِيُّ عِنْد مَوْتِهِ عَنْ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالصِّفَاتِ لَيْسَ جَهْلًا بِالْمَوْصُوفَاتِ. وَقَالَ: اخْطَفْنَا فِي عِبَارَةٍ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ وَاحِدٌ. وَالْخِلَافُ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ: لَا يُكَفِّرُ، قِيلَ لَهُ: أَلَا تُكَفِّرُ مَنْ يُكَفِّرُك؟ فَعَادَ إلَى الْقَوْلِ بِالتَّكْفِيرِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ، فَهُمْ يُكَفِّرُونَ خُصُومَهُمْ وَيُكَفِّرُ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ الْآخَرَ. قَالَ الْإِمَامُ: وَمُعْظَمُ الْأَصْحَابِ عَلَى تَرْكِ التَّكْفِيرِ. وَقَالُوا: إنَّمَا نُكَفِّرُ مَنْ جَهِلَ وُجُودَ الرَّبِّ، أَوْ عَلِمَ وُجُودَهُ وَلَكِنْ فَعَلَ فِعْلًا، أَوْ قَالَ قَوْلًا، أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصْدُرُ ذَلِكَ إلَّا عَنْ كَافِرٍ. وَمَنْ قَالَ بِتَكْفِيرِ الْمُتَأَوِّلِينَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُكَفِّرَ أَصْحَابَهُ فِي نَفْيِ الْبَقَاءِ أَيْضًا، كَمَا يُكَفَّرُ فِي نَفْيِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا. قُلْت: وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَكْفِيرَ الْقَائِلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، لَكِنَّ جُمْهُورَ أَصْحَابِهِ تَأَوَّلُوهُ عَلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ، كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ. .
الثَّانِي - مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسَائِلِ الْأُصُولِيَّةِ: كَكَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، وَكَوْنِ الْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ حُجَّةً، وَكَالْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ فِي الْإِجْمَاعِ، وَفِي الْحَاصِلِ عَنْ اجْتِهَادٍ، وَمِنْهُ اعْتِقَادُ كَوْنِ الْمُصِيبِ وَاحِدًا فِي الظَّنِّيَّاتِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute