للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرْحِ التَّرْتِيبِ ": اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْأَقِطِ: هَلْ يَجُوزُ فِي الْفِطْرَةِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ بَلَغَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا كَانُوا يُخْرِجُونَهُ فِي الزَّكَاةِ فِي الْأَقِطِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ أَقِطٍ» ، فَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ فِي هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ. اهـ. وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: إذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ: كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَا، وَأَضَافَهُ إلَى عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ مِمَّا لَا يَخْفَى مِثْلُهُ حُمِلَ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَيَكُونُ شَرْعًا لَنَا، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَخْفَى، فَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذِكْرُهُ حُمِلَ عَلَى إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ فِيمَا كَثُرَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى، كَقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ: «كُنَّا نُخْرِجُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ» قَالَ: وَعَلَى هَذَا إذَا خَرَّجَ الرَّاوِي الرِّوَايَةَ مَخْرَجَ الْكَثِيرِ بِأَنْ قَالَ: كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَا، حُمِلَتْ الرِّوَايَةُ عَلَى عَمَلِهِ وَإِقْرَارِهِ، وَصَارَ كَالْمَنْقُولِ شَرْعًا، وَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْ لَفْظِ التَّكْثِيرِ، كَقَوْلِهِ: فَعَلُوا كَذَا فَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَلَا يَثْبُتُ شَرْعٌ بِاحْتِمَالٍ. أَمَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى عَصْرِ الصَّحَابَةِ أَوْ أَطْلَقَ فَسَيَأْتِي.

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْإِنْكَارِ، كَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ. فَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ مِنْ خَصَائِصِهِ عَدَمَ سُقُوطِ وُجُوبِ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ، وَعَدَمَ السُّقُوطِ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ مِنْهُ خَوْفٌ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَ إخْبَارِ اللَّهِ بِعِصْمَتِهِ فِي قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: ٦٧] قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ: وَإِنَّمَا اخْتَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِوُجُوبِهِ لِأَمْرَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللَّهَ ضَمِنَ لَهُ النَّصْرَ وَالظَّفَرَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: ٩٥]

<<  <  ج: ص:  >  >>