الثَّانِي: اخْتَلَفُوا وَهَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي اللِّسَانِيِّ أَوْ النَّفْسَانِيِّ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ تَقَدَّمَتْ مَحْكِيَّةً عَنْ الْأَشْعَرِيِّ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَالْمُخْتَارُ الثَّانِي. وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسْأَلَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا مُبْطِلٌ، فَلَوْ نَظَرَ الْمُصَلِّي فِي مَكْتُوبٍ غَيْرِ قُرْآنٍ وَرَدَّدَ مَا فِيهِ فِي نَفْسِهِ لَمْ تَبْطُلْ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ إنْ طَالَ، حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ عَنْ النَّصِّ.
الثَّانِي: إذَا حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَتَكَلَّمَ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَاطِبَ أَحَدًا أَوْ صَلَّى وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ هَلْ يَحْنَثُ؟ قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
أَحَدَهُمَا: لَا يَحْنَثُ وَيُحْمَلُ عَلَى الْكَلَامِ الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ. قَالَ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ كَلَامٌ حَقِيقَةً. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُفَرِّعْ أَئِمَّتُنَا عَلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَلَا اعْتَبَرُوهُ بِمُجَرَّدِهِ فِي إثْبَاتِ الْعُقُودِ وَلَا فِي فَسْخِهَا، وَلَمْ يُوقِعُوا الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ بِالنِّيَّةِ، وَإِنْ صَمَّمَ عَلَيْهَا بِقَلْبِهِ لِأَنَّ النِّيَّةَ غَيْرُ الْمَنْوِيِّ، فَلَا يَسْتَلْزِمُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ» وَوَجْهُ اخْتِلَافِ قَوْلِ الْأَصْحَابِ فِيمَا لَوْ حَرَّكَ لِسَانَهُ بِالطَّلَاقِ، وَلَمْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ السَّمِيعُ بِنَفْسِهِ، أَنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ نُطْقٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَثْبُتُوا لَهُ حُكْمَ الْكَلَامِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَمْ يَجْعَلُوهُ قِرَاءَةً إذَا لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ وَلِأَنَّ الْعُقُودَ الْمُفْتَقِرَةَ إلَى الْإِشْهَادِ تَفْتَقِرُ إلَى سَمَاعِ الشَّاهِدِ وَطَرِيقِ الصَّوْتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute