أَنَّك ذَاهِبٌ بِفَتْحِ " أَنَّ "، وَزَعَمَ ابْنُ خَرُوفٍ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ يَا زَيْدُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي عَلِيٍّ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ " أَنَّ " وَإِنْ كَانَ فِي تَقْدِيرِ مُفْرَدٍ، فَإِنَّ فِي الْكَلَامِ مُسْنَدًا وَمُسْنَدًا إلَيْهِ، وَجَوَّزَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ ائْتِلَافَهُ مِنْ فِعْلٍ وَحَرْفٍ نَحْوَ قَدْ قَامَ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُفِيدُ لِتَصَوُّرِ ضَمِيرٍ فِي الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ فِي " قَامَ "، فَيَكُونُ الْمَعْنَى قَدْ قَامَ فُلَانٌ. وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَاطِقٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ اصْطَلَحَ اثْنَانِ عَلَى أَنْ يَذْكُرَ أَحَدُهُمَا فِعْلًا أَوْ مُبْتَدَأً، وَالْآخَرُ فَاعِلُ ذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْ خَبَرُ ذَلِكَ الْمُبْتَدَأِ، فَلَيْسَ بِكَلَامٍ، وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى فِي الْكَلَامِ عَلَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ هَلْ يُغَيِّرُ صِفَتَهُ؟ وَرَدَّ ابْنُ مَالِكٍ ذَلِكَ، وَقَالَ: الْمَجْمُوعُ كَلَامٌ، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى حَدِّهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ النَّاطِقِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْكَاتِبِ فِي كَوْنِ الْخَطِّ خَطًّا ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ هَلْ يُحَدُّ؟ فَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ إنَّمَا يُبَيَّنُ بِالتَّفْصِيلِ، لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ وَالِاسْتِخْبَارِ، وَلَا عِبَارَةَ تُحِيطُ بِذَلِكَ إلَّا بِتَطْوِيلٍ يُصَانُ الْحَدُّ عَنْهُ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يُحَدُّ، وَلِلْقَاضِي فِيهِ قَوْلَانِ، وَاسْتَقَرَّ رَأْيُهُ عَلَى أَنَّهُ يُحَدُّ كَالْعَلَمِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: مَا أُوجِبَ لِمَحَلِّ كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: الْقَوْلُ الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْعِبَارَاتُ، وَزُيِّفَ بِأَنَّ الْكَلَامَ هُوَ الْقَوْلُ فَكَيْفَ يُحَدُّ الشَّيْءُ بِنَفْسِهِ؟ وَقَوْلُهُ: الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ مَجَازٌ، فَإِنَّ الْقَائِمَ مِنْ صِفَاتِ الْعُقَلَاءِ، ثُمَّ إنَّ الدَّلَالَةَ لَا تَسْتَقِلُّ بِهَا الْأَلْفَاظُ، بَلْ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ قَرِينَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute