فَاخْتَلَفُوا فِيهِ: فَقِيلَ: يَجُوزُ، كَمَا يُتَّبَعُ مُجْتَهِدِي الْعَصْرِ فِي آحَادِ الْمَسَائِلِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ مِنْ حَيْثُ إمْكَانُ دَرْكِ التَّنَاقُضِ. وَلَوْ اخْتَلَفَ جَوَابُ مُجْتَهِدَيْنِ، فَالْقَصْرُ فِي حَقِّ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ، وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْإِتْمَامُ وَاجِبٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنُ سُرَيْجٍ اجْتَهَدَ فِي الْأَوْثَقِ وَالْأَفْقَهِ.
وَإِنْ قُلْنَا بِخِلَافِهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ: فَفِيهِ أَوْجُهٌ: (أَصَحُّهَا) : فِي " الرَّافِعِيِّ ": أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ وَيَعْمَلُ بِقَوْلِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ فِي " اللُّمَعِ " وَالْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِيمَا إذَا تَسَاوَيَا فِي نَفْسِهِ، وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ مُسْتَدِلًّا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَأَنَّهُمْ لَمْ يُنْكِرُوا الْعَمَلَ بِقَوْلِ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ. وَأَغْرَبَ الرُّويَانِيُّ فَقَالَ: إنَّهُ غَلَطٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: لَوْ لَمْ أَجِدْ تَخْيِيرَ الْعَامِّيِّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُفْتِينَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ لَمَا كَانَ الْهُجُومُ عَلَى تَقْرِيرِهِ سَائِغًا، وَدَلَّ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ سَرِيَّةً إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَقَالَ: لَا تَنْزِلُوا حَتَّى تَأْتُوهُمْ، فَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ فَاخْتَلَفُوا حِينَئِذٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ تَوَجَّهَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَمَادَى وَحَمَلَ قَوْلَهُ: لَا تَنْزِلُوا عَلَى ظَاهِرِهِ. فَلَمَّا عُرِضَتْ الْقِصَّةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخَطِّئْ أَحَدًا مِنْهُمْ» . وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ السَّرِيَّةَ مَا خَلَتْ عَمَّنْ لَا نَظَرَ لَهُ وَلَا مَفْزَعَ إلَّا تَقْلِيدُ وُجُوهِ الْقَوْمِ وَعُلَمَائِهِمْ، وَكَانَ ذَلِكَ الْمُقَلِّدُ مُخَيَّرًا، وَبِاخْتِيَارِهِ قَلَّدَ وَلَمْ يَلْحَقْهُ عَتْبٌ وَلَا عَيْبٌ. و (الثَّانِي) : يَأْخُذُ بِالْأَغْلَظِ، وَحَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute