وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا غَيْرُهُ وَأَصَحُّهُمَا الِاكْتِفَاءُ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ الْبَاطِنَةَ تَعَسَّرَ مَعْرِفَتُهَا عَلَى غَيْرِ الْقُضَاةِ، فَيَعْسُرُ عَلَى الْعَوَامّ تَكْلِيفُهُمْ. وَأَمَّا الِاحْتِمَالَانِ الْمَذْكُورَانِ ثَانِيًا فَهُمَا مُحْتَمَلَانِ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُمَا. وَاَلَّذِي قَالَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِفْتَاءُ مَنْ اسْتَفَاضَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَقِيلَ: لَا تَكْفِي الِاسْتِفَاضَةُ وَلَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ: أَنَا أَهْلٌ لِلْفَتْوَى. وَيَجُوزُ اسْتِفْتَاءُ مَنْ أَخْبَرَ ثَابِتَ الْأَهْلِيَّةِ بِأَهْلِيَّتِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ " الْأُصُولِ ": مَنْ أَسْلَمَ وَهُوَ قَرِيبُ الْعَهْدِ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ظَاهِرِ الْإِسْلَامِ، فَأَخْبَرَهُ بِشَيْءٍ. فَاخْتَلَفُوا فِيهِ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي كِتَابِهِ: يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُ مَا أَخْبَرَ بِهِ وَلَا يَعْتَبِرُ فِيهِ شَرَائِطَ الْمُفْتِي السَّابِقَةِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ تِلْكَ الشَّرَائِطُ فِينَا، لِأَنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيْنَا الِاعْتِبَارُ فِيهَا، فَأَمَّا الْمُسْلِمُ الْآنَ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ هَذَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: يُنْظَرُ: فَإِنْ كَانَ شَيْئًا وَقْتُهُ مُوَسَّعٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفُ حَتَّى يَسْتَعْلِمَ ذَلِكَ مِنْ خَلْقٍ، وَلَا يُبَادِرُ حَتَّى يَعْلَمَ حَالَ مَنْ أَفْتَاهُ وَيُتَابِعُ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ شَيْئًا وَقْتُهُ مُضَيَّقٌ فَعَلَى وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) يُقْبَلُ قَوْلُهُ، كَقَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ. وَ (الثَّانِي) يَتَوَقَّفُ فِي ذَلِكَ، كَمَا يَتَوَقَّفُ الْحَاكِمُ فِي الْعُدُولِ وَغَيْرِهَا. .
مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَيَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يُطَالِبَ الْعَالِمَ بِدَلِيلِ الْجَوَابِ، لِأَجْلِ احْتِيَاطِهِ لِنَفْسِهِ. وَيُلْزِمَ الْعَالِمَ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ الدَّلِيلَ إنْ كَانَ مَقْطُوعًا بِهِ، لِإِشْرَافِهِ عَلَى الْعِلْمِ بِصِحَّتِهِ. وَلَا يَلْزَمُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَقْطُوعًا بِهِ، لِافْتِقَارِهِ إلَى اجْتِهَادٍ يَقْصُرُ عَنْهُ فَهْمُ الْعَامِّيِّ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute