فَخَبَرُ الْمَجْهُولِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ. وَلَيْسَ الْأَصْلُ فِي النَّاسِ الْعِلْمَ. وَمِمَّنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي اسْتِفْتَاءِ الْمَجْهُولِ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيَّ وَابْنُ الْحَاجِبِ. وَنُقِلَ فِي " الْمَحْصُولِ " الِاتِّفَاقُ عَلَى الْمَنْعِ، فَحَصَلَ طَرِيقَانِ. وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ عِلْمُهُ بُحِثَ عَنْ حَالِهِ. ثُمَّ شَرَطَ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " إخْبَارَ مَنْ يُوجِبُ خَبَرُهُ الْعِلْمَ بِكَوْنِهِ عَالِمًا فِي الْجُمْلَةِ، وَلَا يَكْفِي خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ. وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ.
وَاكْتَفَى فِي " الْمَنْخُولِ " فِي (الْعَدَالَةِ) خَبَرُ عَدْلَيْنِ، وَفِي (الْعِلْمِ) بِقَوْلِهِ: إنِّي مُفْتٍ، قَالَ: وَاشْتِرَاطُ تَوَاتُرِ الْخَبَرِ بِكَوْنِهِ مُجْتَهِدًا - كَمَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ - غَيْرُ سَدِيدٍ، لِأَنَّ التَّوَاتُرَ يَعْتَمِدُ فِي الْمَحْسُوسَاتِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَكْفِيهِ أَنْ يُخْبِرَهُ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ مُفْتٍ. انْتَهَى. وَشَرَطَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ امْتِحَانَهُ، بِأَنْ يُلَفِّقَ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةً وَيُرَاجِعَهُ فِيهَا، فَإِنْ أَصَابَ فِيهَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَوْنُهُ مُجْتَهِدًا وَقَلَّدَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَتَكْفِي الِاسْتِفَاضَةُ مِنْ النَّاسِ. وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي، الرَّوْضَةِ " وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ اعْتِمَادُ قَوْلِ الْمُفْتِي: أَنَّهُ أَهْلٌ لِلْفَتْوَى وَالْمُخْتَارُ فِي " الْغِيَاثِيِّ " اعْتِمَادُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَظْهَرَ وَرَعُهُ، كَمَا يَحْصُلُ بِاسْتِفَاضَةِ الْخَبَرِ عَنْهُ، وَسَبَقَ مِثْلُهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْوَجِيزِ ": قِيلَ: يَقُولُ لَهُ: أَمُجْتَهِدٌ. أَنْتَ فَأُقَلِّدُك؟ فَإِنْ أَجَابَهُ قَلَّدَهُ. وَهَذَا أَصَحُّ الْمَذَاهِبِ. وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ (الْعَدَالَةَ) فَلِلْغَزَالِيِّ احْتِمَالَانِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَأَشْبَهَهُمَا الِاكْتِفَاءُ؟ فَإِنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ الْعُلَمَاءِ الْعَدَالَةُ بِخِلَافِ الْبَحْثِ عَنْ الْعِلْمِ، فَلَيْسَ الْغَالِبُ فِي النَّاسِ الْعِلْمَ. ثُمَّ ذَكَرَ احْتِمَالَيْنِ فِي أَنَّهُ إذَا وَجَبَ الْبَحْثُ فَيَفْتَقِرُ إلَى عَدَدِ التَّوَاتُرِ، أَمْ يَكْفِي إخْبَارُ عَدْلٍ أَوْ عَدْلَيْنِ؟ قَالَ: وَأَقْرَبُهُمَا: الثَّانِي. قُلْت: وَجَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ بِأَنَّهُ يَكْفِيهِ خَبَرُ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ عَنْ فِقْهِهِ وَأَمَانَتِهِ، لِأَنَّ طَرِيقَهُ طَرِيقُ الْإِخْبَارِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالِاحْتِمَالَانِ فِي مَجْهُولِ الْعَدَالَةِ هُمَا فِي الْمَسْتُورِ، وَهُوَ الَّذِي ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ وَلَمْ يَخْتَبِرْ بَاطِنَهُ، وَهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute