النَّفْسَانِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى، فَاَللَّهُ - تَعَالَى - بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَكَلَامُهُ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَخَبَرٌ وَاحِدٌ بِالذَّاتِ مُتَعَدِّدٌ بِالْمُتَعَلِّقَاتِ، وَحِينَئِذٍ فَأَمْرُ اللَّهِ عَيْنُ نَهْيِهِ، فَكَيْفَ يُتَّجَهُ فِيهِ خِلَافٌ؟ وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَخْلُوقِ فَقَطْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ فَكَيْفَ يُقَالُ: هُوَ أَوْ يَتَضَمَّنُهُ مَعَ احْتِمَالِ ذُهُولِهِ عَنْ الضِّدِّ مُطْلَقًا؟ وَهَذَا هُوَ عُمْدَةُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ كَمَا سَبَقَ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِمُتَلَازِمَيْنِ كَيَمِينٍ وَشِمَالٍ وَفَوْقَ وَتَحْتَ، فَإِنَّ مِنْ الْمُسْتَحِيلِ عِلْمَ الْفَوْقِ وَجَهْلَ التَّحْتِ وَعَكْسَهُ، وَكَذَلِكَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْأَمْرُ بِالنَّفْسِيِّ بِاقْتِضَاءِ فِعْلٍ، وَلَا يَتَعَلَّقُ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِهِ، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ عَلَى الْقَوْلِ بِتَضَمُّنِهِ النَّهْيَ.
وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْنُونَ بِالِاقْتِضَاءِ مَا يُرِيدُهُ الْمُعْتَزِلَةُ، وَإِنَّمَا هَؤُلَاءِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْأَمْرَ النَّفْسِيَّ مُقَارَنَةُ نَهْيٍ نَفْسِيٍّ أَيْضًا يَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الْحَيَاةِ فِي الْعِلْمِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ إذَا وُجِدَ اقْتَضَى وُجُودَ الْحَيَاةِ. وَمِمَّنْ جَزَمَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَلَامِ اللِّسَانِيِّ لَا النَّفْسَانِيِّ الْقَرَافِيُّ، وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ التَّبْرِيزِيُّ فِي التَّنْقِيحِ "، فَقَالَ: لَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الْخِلَافُ فِي كَلَامِ اللَّهِ - تَعَالَى؛ لِأَنَّ مُثْبِتِي كَلَامِ النَّفْسِ مُطْبِقُونَ عَلَى اتِّحَادِ كَلَامِ اللَّهِ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَوَعْدٍ وَوَعِيدٍ وَاسْتِفْهَامٍ إلَى جَمِيعِ الْأَقْسَامِ الْوَاقِعَةِ فِي الْكَلَامِ، فَهُوَ - تَعَالَى - آمِرٌ بِعَيْنِ مَا هُوَ نَاهٍ عَنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: " تَحَرَّكْ " غَيْرُ قَوْلِهِ: " لَا تَسْكُنْ " وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي قَوْلِهِ: " افْعَلْ " إنَّمَا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ - عَلَى خِلَافٍ فِيهِ - طَلَبَ الْفِعْلِ فَهُوَ طَالِبٌ تَرْكَ ضِدِّهِ أَمْ لَا؟ وَكَذَا قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: هَذَا النِّزَاعُ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي كَلَامِ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى رَأْيِ مَنْ يَرَى اتِّحَادَهُ، بَلْ فِي كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ وَفِي كَلَامِ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى رَأْيِ مَنْ يَرَى تَعَدُّدَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute