للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ مَذْهَبٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ أَمْرَ الْإِيجَابِ يَكُونُ نَهْيًا عَنْ أَضْدَادِهِ وَمُقَبِّحًا لَهَا، لِكَوْنِهَا مَانِعَةً مِنْ فِعْلِ الْوَاجِبِ الْمَنْدُوبِ فَإِنَّ أَضْدَادَهُ مُبَاحَةٌ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهَا، وَلَا تَنْزِيهَ غَالِبًا، وَاخْتَارَ الْآمِدِيُّ أَنْ يُقَالَ: إنْ جَوَّزْنَا تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ فَالْأَمْرُ بِالْفِعْلِ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ الضِّدِّ، وَلَا مُسْتَلْزِمًا لِلنَّهْيِ عَنْهُ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْفِعْلِ وَبِضِدِّهِ فِي الْحَالَةِ الْوَاحِدَةِ، وَإِنْ مُنِعَ فَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ. وَاخْتَارَهُ الْهِنْدِيُّ أَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِلْزَامِ، لَا أَنَّهُ وَضِدَّهُ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ بَلْ مَعَ مُقَدِّمَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، لَوْ قِيلَ: بِاسْتِحَالَةِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي الْمُعْتَمَدِ " لَيْسَ الْخِلَافُ فِي تَسْمِيَةِ الْأَمْرِ حَقِيقَةً لِبُطْلَانِهِ، وَلَا فِي أَنَّ صِيغَةَ " لَا تَفْعَلْ " مَوْجُودَةٌ فِي الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ الْحِسَّ يَدْفَعُهُ، بَلْ فِي أَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ فِي الْمَعْنَى.

وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي دَلَّنَا عَلَى الْفَصْلِ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ وَتَنْزِيلِ خِلَافِ كُلِّ قَوْمٍ عَلَى حَالَةٍ أَنَّ الشَّيْخَ وَالْقَاضِيَ لَمْ يَتَكَلَّمَا إلَّا فِي النَّفْسِيِّ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُمَا: إنَّ اتِّصَافَهُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ عَلَى مَا سَبَقَ وَالْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ " اخْتَارَ أَنَّ الْأَمْرَ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَهُ فِي اللِّسَانِيِّ؛ لِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالصِّيغَةِ، وَخِلَافُ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ لِأَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ النَّفْسِيَّ، وَلَا أَمْرَ عِنْدَهُمْ إلَّا بِالْعِبَارَةِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَدْ اُسْتُشْكِلَ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْكَلَامُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>