للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ: فَاخْتَلَفُوا فِيهَا عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا الْمُعَرِّفُ لِلْحُكْمِ أَيْ جُعِلَتْ عَلَمًا عَلَى الْحُكْمِ إنْ وُجِدَ الْمَعْنَى وُجِدَ الْحُكْمُ، قَالَهُ الصَّيْرَفِيُّ فِي " كِتَابِ الْإِعْلَامِ " وَابْنُ عَبْدَانَ فِي " شَرَائِطِ الْأَحْكَامِ " وَأَبُو زَيْدٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَحَكَاهُ سُلَيْمٌ فِي " التَّقْرِيبِ " عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ " الْمَحْصُولِ " وَالْمِنْهَاجِ ". أَيْ مَا يَكُونُ دَالًّا عَلَى وُجُودِ الْحُكْمِ وَلَيْسَتْ مُؤَثِّرَةً لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ هُوَ اللَّهُ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ قَدِيمٌ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْحَادِثُ. وَنُقِضَ بِ " الْعَلَامَةِ " فَإِنَّ الْحَدَّ صَادِقٌ عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ الْأَحْكَامُ مُضَافَةً إلَيْهَا. وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا قَالَهُ الصَّيْرَفِيُّ. أَمَّا الْعَقْلِيَّةُ فَمُوجِبَةٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الشَّرْعَ دَخَلَهُ التَّعَبُّدُ الَّذِي لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، بِخِلَافِ الْعَقْلِ فَإِنَّ أَحْكَامَهُ مَعْقُولَةُ الْمَعَانِي فَمِنْ ثَمَّ كَانَتْ عِلَلُهُ مُؤَثِّرَةً وَعِلَلُ الشَّرْعِ مُعَرِّفَاتٍ وَالْمُؤَثِّرُ إنَّمَا هُوَ خِطَابُ الشَّرْعِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَبْدَانَ فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْعَقْلِيَّةَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعُقُولِ، وَالشَّرْعِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ مُوجِبَاتِهِ، بَلْ هِيَ أَمَارَاتٌ وَدَلَالَاتٌ فِي الظَّاهِرِ. وَقَالَ فِي " التَّقْوِيمِ ": عِلَلُ الشَّرْعِ أَعْلَامٌ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى الْأَحْكَامِ، وَالْمُوجِبُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى بِدَلِيلِ أَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ الشَّرْعِ، وَلَوْ كَانَتْ مُوجَبَةً لَمْ تَنْفَكَّ عَنْ مَعْلُولَاتِهَا قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ تُسَمَّى أَدِلَّةً لِأَنَّهَا دَلَّتْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فِي الْفُرُوعِ قَالَ: وَبَعْضُهَا أَظْهَرُ مِنْ بَعْضٍ، حَتَّى قَالَ عُلَمَاؤُنَا: الظَّاهِرُ مِنْهَا قِيَاسٌ، وَالْبَاطِنُ اسْتِحْسَانٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>