تَنْبِيهٌ قَالَ الْهِنْدِيُّ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا مُعَرِّفَةً أَنَّهَا تُعَرِّفُ حُكْمَ الْأَصْلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ بِالنَّصِّ بَلْ حُكْمِ الْفَرْعِ، لَكِنْ يَخْدِشُهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا إنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ مُعَلَّلٌ بِالْعِلَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّرْعِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعَرِّفٍ بِهَا. الثَّانِي: أَنَّهَا الْمُوجِبُ لِلْحُكْمِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهَا مُوجِبَةً لِذَاتِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ وَسُلَيْمٍ. قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَهُوَ قَرِيبٌ لَا بَأْسَ بِهِ، فَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ النَّبِيذِ هِيَ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ تَعَلُّقِ التَّحْرِيمِ بِهَا، وَلَكِنَّهَا عِلَّةٌ بِجَعْلِ الشَّارِعِ. الثَّالِثُ: أَنَّهَا الْمُوجِبَةُ لِلْحُكْمِ بِذَاتِهَا لَا بِجَعْلِ اللَّهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فِي التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّ. وَالْعِلَّةُ وَصْفٌ ذَاتِيٌّ لَا يُوقَفُ عَلَى جَعْلِ جَاعِلٍ وَيُعَبِّرُونَ عَنْهُ تَارَةً بِالْمُؤَثِّرِ. الرَّابِعُ: أَنَّهَا الْمُوجِبَةُ بِالْعَادَةِ، وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيَّ فِي " الرِّسَالَةِ الْبَهَائِيَّةِ " فِي الْقِيَاسِ وَهُوَ غَيْرُ الثَّانِي. الْخَامِسُ: الْبَاعِثُ عَلَى التَّشْرِيعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ مُشْتَمِلًا عَلَى مَصْلَحَةٍ صَالِحَةٍ أَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ. وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ عَنْهَا بِاَلَّتِي يَعْلَمُ اللَّهُ صَلَاحَ الْمُتَعَبِّدِينَ فِي التَّعَبُّدِ بِالْحُكْمِ لِأَجْلِهَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْآمِدِيَّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ نَزْعَةُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى يُعَلِّلُ أَفْعَالَهُ بِالْأَغْرَاضِ. وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ خِلَافُهُ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَطَّانِ: الْعِلَّةُ عِنْدَنَا هِيَ الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ الْحُكْمُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ لِأَجْلِهَا، وَهُوَ الْغَرَضُ وَالْمَعْنَى الْجَالِبُ لِلْحُكْمِ ثُمَّ قَالَ: وَالْعِلَّةُ مَا جَلَبَ الْحُكْمُ. قَالَ: وَإِلَى هَذَا كَانَ يَذْهَبُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ. انْتَهَى. وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ الرِّبَا الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ: الْعِلَّةُ هِيَ الَّتِي لِأَجْلِهَا ثَبَتَ الْحُكْمُ. وَقِيلَ: الصِّفَةُ الْجَالِبَةُ لِلْحُكْمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute