وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: اُخْتُلِفَ فِي الْعِلَّةِ فَقِيلَ: إنَّهَا صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالْمَعْلُولِ كَالشِّدَّةِ فِي الْخَمْرِ. وَهُوَ خَطَأٌ، لِأَنَّ بَعْضَ الْأَغْرَاضِ قَدْ يَكُونُ عِلَّةً لِغَرَضٍ آخَرَ وَلَا يَقُومُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ. وَقَالَ: وَإِنَّمَا مَعْنَى الْعِلَّةِ السَّبَبُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ اجْتِهَادًا فَإِنَّ النَّصَّ الْجَالِبَ لِلْحُكْمِ لَا يَكُونُ عِلَّةً لَهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ، وَالِاعْتِلَالُ اسْتِدْلَالُ الْمُعَلِّلِ بِالْعِلَّةِ وَإِظْهَارُهُ لَهَا، وَالْمُعْتَلُّ هُوَ الْمُعَلِّلُ وَالْمُعْتَلُّ بِهِ نَفْسُ الْعِلَّةِ وَقَالَ إلْكِيَا: الْعِلَّةُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ الصِّفَةُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ بِهَا، وَالْعَقْلِيَّةُ مُوجِبَةٌ عَلَى رَأْيِ الْقَائِلِينَ بِهَا وَالشَّرْعِيَّةُ مَوْضُوعَةٌ وَلَكِنَّهَا مُشَبَّهَةٌ بِهَا فِي الشَّرْعِ، أُثْبِتَ الْحُكْمُ لِأَجْلِهَا فِي طَرِيقِ الْفُقَهَاءِ فَكَانَ أَقْرَبُ عِبَارَةٍ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ عِبَارَةَ الْعِلَّةِ لِيَكُونَ الْحُكْمُ تَبَعَ الْحَقِيقَةِ عَلَى مِثَالِهَا. وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: قَالُوا: إنَّهَا الصِّفَةُ الْجَالِبَةُ لِلْحُكْمِ. وَقِيلَ: إنَّهَا الْمَعْنَى الْمُنْشِئُ.
مَسْأَلَةٌ
وَهِيَ تَنْقَسِمُ إلَى عَقْلِيَّةٍ: وَهِيَ لَا تَصِيرُ عِلَّةً بِجَعْلِ جَاعِلٍ بَلْ بِنَفْسِهَا، وَهِيَ مُوجِبَةٌ لَا تَتَغَيَّرُ بِالْأَزْمَانِ كَحَرَكَةِ الْمُتَحَرِّكِ. وَشَرْعِيَّةٍ: وَهِيَ الَّتِي صَارَتْ عِلَّةً بِجَعْلِ جَاعِلٍ كَالْإِسْكَارِ فِي الْخَمْرِ، وَكَانَتْ قَبْلَ مَجِيءِ الشَّرْعِ، وَتَتَخَصَّصُ بِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ وَلَا تَتَخَصَّصُ بِعَيْنٍ دُونَ عَيْنٍ. مَسْأَلَةٌ
الْعِلَّةُ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْلِيَّةِ. كَالْحَرَكَةِ عِلَّةٌ فِي كَوْنِ الْمُتَحَرِّكِ مُتَحَرِّكًا، كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ. وَإِنَّمَا تُسَمَّى الْعِلَلُ الشَّرْعِيَّةُ عِلَّةً مَجَازًا أَوْ اتِّسَاعًا، وَإِلَّا فَفِي الْحَقِيقَةِ الْعِلَّةُ مَا أَوْجَبَ الْحُكْمَ بِنَفْسِهِ، وَهِيَ الْعِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ، وَأَمَّا الَّتِي تُوجِبُهُ بِغَيْرِهَا فَلَيْسَتْ بِعِلَّةٍ فِي وَضْعِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَإِنَّمَا هِيَ أَمَارَةٌ عَلَى الْحُكْمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute