قَالَ: وَهَذَا مَوْضِعٌ يَغْلَطُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَيَغْتَرُّونَ بِإِطْلَاقِ الْأُصُولِيِّينَ وَيُدْخِلُونَ فِيهِ كُلَّ مَا أَفَادَ نَهْيًا أَوْ أَمْرًا، وَالْمُحَقِّقُ الْفَاهِمُ يَعْرِفُ الْمُرَادَ وَيَضَعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ. قُلْت: صَرَّحَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي كِتَابِهِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَلْحَقَهُ بِالْأَمْرِ ذِي الصِّيغَةِ. قَالَ: وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ دُخُولُ النَّسْخِ فِيهِ، وَالْأَخْبَارُ الْمَحْضَةُ لَا يَلْحَقُهَا النَّسْخُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَبَرًا لَمْ يُوجَدْ خِلَافُهُ. قَالَ: وَمِنْ هَذَا الْبَابِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا قَوْله تَعَالَى: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٩] . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: " لَا " إذَا كَانَتْ نَافِيَةً أَبْلَغُ فِي الْخِطَابِ مِنْ النَّهْيِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَتَضَمَّنُ أَنَّ الْحُكْمَ قَدْ كَانَ قَارًّا قَبْلَ وُرُودِهِ، وَالنَّفْيُ يَتَضَمَّنُ الْإِخْبَارَ عَنْ حَالَتِهِ. وَأَنَّهَا كَانَتْ مَنْفِيَّةً، فَلَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً قَبْلَ ذَلِكَ. وَهَاهُنَا فَوَائِدُ إحْدَاهَا: فِي الْعُدُولِ عَنْ صِيغَةِ الطَّلَبِ إلَى صِيغَةِ الْخَبَرِ وَفَوَائِدُ: مِنْهَا: أَنَّ الْحُكْمَ الْمُخْبَرَ بِهِ يُؤْذِنُ بِاسْتِقْرَارِ الْأَمْرِ وَثُبُوتِهِ عَلَى حُدُوثِهِ وَتَجَدُّدِهِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا فِعْلًا حَادِثًا فَإِذَا أُمِرَ بِالشَّيْءِ بِلَفْظِ الْخَبَرِ آذَنَ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا الْمَطْلُوبَ فِي وُجُوبِ فِعْلِهِ وَلُزُومِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا قَدْ حَصَلَ وَتَحَقَّقَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَدْعَى إلَى الِامْتِثَالِ، وَمِنْهَا: أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى الْإِيجَابِ فَقَدْ يُحْتَمَلُ الِاسْتِحْبَابُ. فَإِذَا جِيءَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ عُلِمَ أَنَّهُ أَمْرٌ ثَابِتٌ مُسْتَقِرٌّ وَانْتَفَى احْتِمَالُ الِاسْتِحْبَابِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْأَحْكَامَ قِسْمَانِ خِطَابُ وَضْعٍ، وَأَخْبَارٌ، وَهُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute