للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَشْبَهَ الطَّلَبَ بِوَجْهٍ، فَإِنَّ التَّعْجِيزَ وَالتَّكْوِينَ وَالتَّخْيِيرَ طَلَبٌ بِوَجْهٍ مَا، وَكَذَا النَّهْيُ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَرِدُ صِيغَةُ الْخَبَرِ لِلْأَمْرِ نَحْوَ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: ٢٣٣] وَهُوَ مَجَازٌ، وَالْعَلَاقَةُ فِيهِ مَا يَشْتَرِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي تَحْقِيقِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ، وَكَذَا الْخَبَرُ بِمَعْنَى النَّهْيِ نَحْوَ «لَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ» نَعَمْ هَاهُنَا بَحْثٌ دَقِيقٌ أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْعُنْوَانِ " وَهُوَ أَنَّهُ إذَا وَرَدَ الْخَبَرُ بِمَعْنَى الْأَمْرِ فَهَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْأَمْرِ مِنْ الْوُجُوبِ إذَا قُلْنَا: الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مَخْصُوصًا بِالصِّيغَةِ الْمَعْنِيَّةِ وَهِيَ صِيغَةُ " افْعَلْ "؟ وَلَمْ يُرَجِّحْ شَيْئًا. وَهَذَا الْبَحْثُ قَدْ دَارَ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَابْنِ الزَّمْلَكَانِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الزِّيَارَةِ، فَادَّعَى ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَجَعَلَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثٍ» فِي مَعْنَى النَّهْيِ، وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ، وَنَازَعَهُ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ وَقَالَ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْأَمْرِ بِصِيغَةِ " افْعَلْ " وَعَلَى النَّهْيِ بِصِيغَةِ " لَا تَفْعَلْ "؛ إذْ هُوَ الَّذِي يَصِحُّ دَعْوَى الْحَقِيقَةِ فِيهِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مَوْضُوعًا حَقِيقَةً لِغَيْرِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَيُفِيدُ مَعْنَى أَحَدِهِمَا كَالْخَبَرِ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، وَالنَّفْيِ بِمَعْنَى النَّهْيِ فَلَا يُدَّعَى فِيهِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي وُجُوبٍ، وَلَا تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرُ أَوْ النَّهْيُ، فَدَعْوَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي إيجَابٍ أَوْ تَحْرِيمٍ، وَهُوَ مَوْضُوعٌ لِغَيْرِهِمَا مُكَابَرَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>