تَعْمِيمِ الْحُكْمِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: حَرُمَتْ الْخَمْرُ لِإِسْكَارِهَا أَوْ حَرُمَتْ عَلَى كُلِّ مُسْكِرٍ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِهِ.
هَذَا تَحْرِيرُ مَذْهَبِ النَّظَّامِ وَغَيْرِهِ وَمُنْكِرِي الْقِيَاسِ فَكَأَنَّهُ أَنْكَرَ تَسْمِيَةَ هَذَا قِيَاسًا وَإِنْ كَانَ قَائِلًا بِهِ فِي الْمَعْنَى. وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْمُلَخَّصِ " وَسُلَيْمٌ فِي " التَّقْرِيبِ " وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْعُمُومِ الْمَعْنَوِيِّ أَنَّ تَعْمِيمَ مِثْلِ هَذَا هَلْ هُوَ بِالْقِيَاسِ أَوْ الصِّيغَةِ؟ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَمَّمَ بِالْقِيَاسِ: وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: نَقَلَ الْأَكْثَرُونَ عَنْ النَّظَّامِ أَنَّ التَّعْمِيمَ فِيهِ بِالْقِيَاسِ، وَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ يَجْرِي تَعْمِيمُ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِهِ بِطَرِيقِ اللَّفْظِ وَالْعُمُومِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَقْلِ الْأَكْثَرِ وَمُنَافٍ لَهُ، فَإِنَّ التَّعْمِيمَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ لَا يُجَامِعُ التَّعْمِيمَ بِالْقِيَاسِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ ذَلِكَ أَمْرًا بِالْقِيَاسِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا عِنْدَهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا. قُلْت: وَمَا حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ أَظْهَرُ، لِمَا سَبَقَ عَنْ النَّظَّامِ مِنْ إنْكَارِ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ، وَلِهَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ: ظَنَّ النَّظَّامُ أَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْقِيَاسِ وَقَدْ زَادَ عَلَيْنَا إذْ قَاسَ حَيْثُ لَا يَقِيسُ، لَكِنَّهُ أَنْكَرَ اسْمَ الْقِيَاسِ. انْتَهَى. وَهُوَ لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ بِالْقِيَاسِ بَلْ بِاللَّفْظِ، فَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُبْطِلَ هَذِهِ الْجِهَةَ مِنْ الْقِيَاسِ.
وَقَدْ يَجْمَعُ بَيْنَ إنْكَارِهِ الْقِيَاسَ وَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ التَّنْصِيصُ عَلَى الْعِلَّةِ فَمَدْلُولُ اللَّفْظِ الْأَمْرُ بِالْقِيَاسِ لُغَةً، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِوُقُوعِهِ مِنْ الشَّارِعِ أَوْ غَيْرِهِ وَهُنَاكَ أَحَالَ وُرُودَهُ مِنْ الشَّارِعِ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولَ: إنَّ الشَّارِعَ لَا يَقَعُ مِنْهُ التَّنْصِيصُ عَلَى الْعِلَّةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَمَدْلُولُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute