قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ " مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي الْمُعْتَمَدِ ": ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا عَلِمَ أَنَّ الصَّوَابَ يَتَّفِقُ مِنْ نَبِيِّهِ جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقْطَعْ عَلَيْهِ بَلْ جَوَّزَهُ وَجَوَّزَ خِلَافَهُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ ": ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: الْحُكْمُ يَثْبُتُ بِالْوَحْيِ، أَوْ بِأَنْ يَنْفُثَ فِي رَوْعِهِ. وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى خَاطِرٍ يُلْقَى إلَيْهِ، أَوْ بِاجْتِهَادٍ، أَوْ بِأَنْ يُوَفَّقَ فِي الْحُكْمِ. قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ بِعَيْنِهِ. وَقَدْ رَدُّوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الشَّرْعِيَّاتِ مِنْ دَلَالَةٍ مُمَيِّزَةٍ لِلصَّلَاحِ مِنْ الْفَسَادِ، وَاخْتِيَارُ الْمُكَلَّفِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا. وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْعُدَّةِ ": حُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ ": إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا عَلِمَ أَنَّ الصَّوَابَ يَتَّفِقُ مِنْ نَبِيِّهِ جَعَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ. وَلَمْ يَقْطَعْ بِذَلِكَ قَالَ: وَهَذَا لَا يَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ نُصِبَتْ عَلَيْهِ أَمَارَةٌ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ جَعَلَهُ إلَيْهِ بِالِاجْتِهَادِ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ الصَّوَابَ يَتَّفِقُ مَعَهُ وَحِينَئِذٍ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ. انْتَهَى. وَزَعَمَ الْآمِدِيُّ وَالرَّازِيُّ أَنَّ تَرَدُّدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَوَازِ، وَقَالَ غَيْرُهُمَا: بَلْ فِي الْوُقُوعِ مَعَ الْجَزْمِ بِالْجَوَازِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ نَقْلًا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ إنْ لَمْ يَقَعْ نَقْلًا. وَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ " بِالْجَوَازِ وَتَرَدَّدَ فِي الْوُقُوعِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُكْمِ بِالرَّأْيِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي مُسْتَنَدَاتِهِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِلَّا كَانَ اجْتِهَادًا جَائِزًا لِلْعُلَمَاءِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَوْلٍ. وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ فِي الِاجْتِهَادِ. وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَإِنْ أَوْرَدَهَا مُتَكَلِّمُو الْأُصُولِيِّينَ فَلَيْسَتْ بِمَعْرُوفَةٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَلَيْسَ فِيهَا كَبِيرُ فَائِدَةٍ، لِأَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يُوجَدْ، وَلَا يُتَوَهَّمُ وُجُودُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَأَمَّا فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ وُجِدَ، وَسَبَقَ فِي كَلَامٍ آخَرَ يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، عِنْدَ الْكَلَامِ فِي أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ عِلَّةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute