بِالْكِتَابِ. الثَّالِثُ: حَكَى أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي كِتَابِهِ عَنْ بَعْضِهِمْ طَرِيقًا آخَرَ فِي الِامْتِنَاعِ، وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَانَ يَقِفُ فِي تَأْوِيلِ مُجْمَلِ الْكِتَابِ عَلَى مَا لَا يُشْرِكُهُ فِي الْوُقُوفِ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ. فَلَيْسَتْ لَهُ سُنَّةٌ لَا كِتَابَ فِيهَا إلَّا وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهَا فِي الْكِتَابِ جُمْلَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهَا، فَخَصَّ اللَّهُ رَسُولَهُ بِعِلْمِ ذَلِكَ، فَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ آيَةً نَسَخَتْ سُنَّةً، لِأَنَّ تِلْكَ السُّنَّةَ قَدْ تَكُونُ مَأْخُوذَةً مِنْ جُمْلَةِ الْكِتَابِ وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْنَا عِلْمُ ذَلِكَ بَعْدُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةٌ أَصْلًا. وَأَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا بَيَّنَهُ فَهُوَ بَيَانٌ لِجُمْلَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَدْ عَلِمَهَا دُونَنَا. قَالَ: وَبُطْلَانُهُ مَعْلُومٌ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ. قُلْت: قَدْ حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ الرِّسَالَةِ قَوْلًا عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، ثُمَّ حَكَى الرَّازِيَّ عَنْ هَذَا الْقَائِلِ اسْتِقْرَاءَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ نُسِخَتْ عِنْدَهُ سُنَّةٌ إلَّا وَقَدْ وُجِدَ لَهَا حِكْمَةٌ مِنْ الْكِتَابِ، نَحْوُ: مَا ادَّعَوْهُ مِنْ نَسْخِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَاسْتِحْلَالِ الْخَمْرِ، وَتَحْرِيمِ الْمُبَاشَرَةِ، وَالْفِطْرِ بَعْدَ النَّوْمِ فِي لَيَالِي الصَّوْمِ، فَقَدْ يَكُونُ اسْتِقْبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَأْخُوذًا مِنْ قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: ٩٠] وَشُرْبُ الْخَمْرِ مِنْ قَوْلِهِ: {إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: ٢١٩] وَمَعْلُومٌ أَنَّ شُرْبَهَا لَا يَحِلُّ وَفِيهِ إثْمٌ، وَيَحْرُمُ مَا يَحِلُّ لِلْمُفْطِرِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: ١٨٣] أَيْ عَلَى الصِّفَةِ، قَالَ: وَإِنْ وَرَدَ مَا لَمْ يَطَّلِعْ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنْ الْكِتَابِ، وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْنَا عِلْمُهُ. ثُمَّ زَيَّفَ الرَّازِيَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَرَدَّ هَذَا كُلَّهُ.
الرَّابِعُ: أَشَارَ الدَّبُوسِيُّ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا نَشَأَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute