قَالَ، فَإِنَّ الْخُصُومَ ذَكَرُوا صُوَرًا، وَادَّعَوْا وُقُوعَ الْإِجْمَاعِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ. ثُمَّ ذَلِكَ الْمُسْتَنَدُ إمَّا مِنْ جِهَةِ الْكِتَابِ كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ ابْنَ الِابْنِ كَالِابْنِ فِي الْمِيرَاثِ، وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَوْرِيثِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَدَّيْنِ السُّدُسَ، وَعَلَى تَوْرِيثِ الْمَرْأَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا بِالْخَبَرِ فِي امْرَأَةِ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ، أَوْ الِاسْتِفَاضَةِ، كَالْإِجْمَاعِ عَلَى أَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، وَنُصُبِ الزَّكَوَاتِ، أَوْ عَنْ الْمُنَاظَرَةِ وَالْجِدَالِ، كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى قَتْلِ مَانِعِي الزَّكَاةِ، أَوْ عَنْ تَوْقِيفٍ كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ تَسْقُطُ بِفَرْضِ الظُّهْرِ، أَوْ عَنْ اسْتِدْلَالٍ وَقِيَاسٍ، كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الْجَوَامِيسَ فِي الزَّكَاةِ كَالْبَقَرِ. قَالَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ: وَكَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) بِتَقْدِيمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ فِي مَرَضِهِ لِلصَّلَاةِ بِالنَّاسِ. قَالَ الصَّيْرَفِيُّ: وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَقَعَ مِنْهُمْ الْإِجْمَاعُ بِالتَّوَاطُؤِ، وَلِهَذَا كَانَتْ الصَّحَابَةُ لَا يَرْضَى بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضِ بِذَلِكَ، بَلْ يَتَبَاحَثُونَ، حَتَّى أَخْرَجَ بَعْضُهُمْ الْقَوْلَ فِي الْخِلَافِ إلَى الْمُبَاهَلَةِ، وَلَا يُمْكِنُ اخْتِلَافُهُمْ فِيمَا وَقَفُوا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَذْمُومٌ شَرْعًا.
فَثَبَتَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَقَعُ مِنْهُمْ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، أَوْ دَلِيلٍ عَقَلَهُ جَمِيعُهُمْ، لَا لِأَنَّ غَيْرَهُ قَالَ بِهِ، فَقَالَ مَعَهُ. وَجَعَلَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَالرُّويَانِيُّ أَصْلَ الْخِلَافِ أَنَّ الْإِلْهَامَ هَلْ هُوَ دَلِيلٌ أَمْ لَا؟ وَحَيْثُ قُلْنَا: لَا بُدَّ مِنْ مُسْتَنَدٍ، فَلَا يَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ مُسْتَنَدِهِمْ، إذْ قَدْ ثَبَتَتْ لَهُمْ الْعِصْمَةُ، وَلَا يَحْكُمُونَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ صَحِيحٍ، لَكِنَّهُ لَا يُمْتَنَعُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute