الثَّانِي: أَنَّ الْعُمُومَ فِي نَحْوِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تَصَرَّفَ الشَّارِعُ فِيهَا بِالنَّقْلِ، كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهَا، فَحَيْثُ جَاءَ ذِكْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ وَنَحْوِهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْعُمُومَ تَصَرُّفًا مِنْ الشَّارِعِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُقْتَضَى الْعُمُومِ لُغَةً، ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي " الْمَنْخُولِ "، وَحَكَاهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ مَنْ عَاصَرَهُ، ثُمَّ ضَعَّفَهُ بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ يَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّصَرُّفِ، وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَيْهِ.
الثَّالِثِ: ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهِ مِنْ أَنَّ كُلَّ اسْمٍ لَا تَسْتَمِرُّ الْعَرَبُ فِيهِ بِصِيغَةِ الْكَثِيرِ، فَصِيغَةُ التَّقْلِيلِ فِيهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّكْثِيرِ أَيْضًا، لِكَثْرَةِ الْفَائِدَةِ، كَقَوْلِهِمْ: فِي جَمْعٍ رِجْلٍ أَرْجُلٌ، فَهُوَ لِلتَّكْثِيرِ.
الرَّابِعِ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: يُحْمَلُ كَلَامُ سِيبَوَيْهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُنَكَّرًا وَكَلَامُ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُعَرَّفًا بِأَلْ، وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ اسْمَ الْعِلْمِ إذَا ثُنِّيَ أَوْ جُمِعَ وَلَمْ يُعَرَّفْ بِاللَّامِ، كَانَ نَكِرَةً بِالِاتِّفَاقِ، وَزَالَتْ عَنْهُ الْعَلَمِيَّةُ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ مُفَادَ الْعِلْمِ إذَا عُرِّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ كَالزَّيْدِينَ وَالزُّيُودِ، فَمَوْضُوعُ الْجَمْعِ إذَا لَمْ يُعَرَّفْ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الِاسْتِيعَابَ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ} [ص: ٦٢] ، بِخِلَافِ حَالَةِ التَّعْرِيفِ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْفَارِسِيِّ وَابْنِ مَالِكٍ بِأَنَّ جَمْعَيْ التَّصْحِيحِ لِلْقِلَّةِ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِأَلْ الَّتِي لِلِاسْتِغْرَاقِ، أَوْ يُضَافُ إلَى مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَثْرَةِ، فَإِنْ اقْتَرَنَ صُرِفَ إلَى الْكَثْرَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: ٣٥] ، وَقَوْلِهِ {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: ٣٧] ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَالْإِضَافَةِ حَسَّانُ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) فِي قَوْلِهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute