للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعِنْدَنَا أَنَّ هَذَا مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ السِّيَاقِ وَمَقْصُودِ الْكَلَامِ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَرَائِنَ وَدَلَائِلَ مِنْهُ.

وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْعُمُومِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَهْدِ، وَلَيْسَتْ لِلْعُمُومِ عِنْدَ قَرِينَةِ الْعَهْدِ، لَكِنْ هَلْ الْأَصْلُ فِيهَا الْعُمُومُ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ، أَوْ الْأَصْلُ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْعَهْدِ، حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ إرَادَتِهِ فِيهِ؟

وَكَلَامُ الْأُصُولِيِّينَ فِيهِ مُضْطَرِبٌ، وَمَنْ أَخَذَ بِظَوَاهِر عِبَارَاتِهِمْ حَكَى فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهَا بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ، فَقَالَ: الْأَصْلُ هُوَ لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ التَّعْيِينِ، وَكَمَالُ التَّمْيِيزِ، ثُمَّ الِاسْتِغْرَاقُ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى نَفْسِ الْحَقِيقَةِ بِدُونِ اعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ قَلِيلُ الِاسْتِعْمَالِ جِدًّا، وَالْعَهْدُ الذِّهْنِيُّ مَوْقُوفٌ عَلَى وُجُودِ قَرِينَةِ الْبَعْضِيَّةِ، فَالِاسْتِغْرَاقُ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْإِطْلَاقِ حَيْثُ لَا عَهْدَ فِي الْخَارِجِ خُصُوصًا فِي الْجَمْعِيَّةِ، هَذَا مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ.

وَقِيلَ: الْعَهْدُ الذِّهْنِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَعْضَ مُتَيَقَّنٌ، وَهَذَا مُعَارَضٌ، فَإِنَّ الِاسْتِغْرَاقَ أَعَمُّ فَائِدَةً وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا فِي الشَّرْعِ، وَأَحْوَطُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ، أَعْنِي الْإِيجَابَ وَالنَّدْبَ وَالتَّحْرِيمَ وَالْكَرَاهَةَ، وَأَنَّ الْبَعْضَ أَحْوَطُ فِي الْإِبَاحَةِ وَمَنْقُوضٌ بِثُبُوتِ الْمَاهِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الْمَاهِيَّةِ، وَقَدْ جَعَلُوهُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الِاسْتِغْرَاقِ بِهَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَائِدَةً جَدِيدَةً زَائِدَةً عَلَى مَا يُفِيدُ الِاسْمَ بِدُونِ اللَّامِ.

وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إذَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ عَهْدٍ، فِي أَنَّ الْعَهْدَ مُرَادٌ أَمْ لَا، هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْعُمُومِ أَمْ لَا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>