للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَبَّهَ أَبُو الْحُسَيْنِ عَلَى فَائِدَةٍ تَرْفَعُ الْخِلَافَ، وَهِيَ أَنَّ أَبَا هَاشِمٍ وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْهُ مُسْتَغْرِقًا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، فَهُوَ عِنْده عَامٌّ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى إنْ صَلُحَ لَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: ١٤] ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُمْ فِي الْجَحِيمِ لِأَجْلِ فُجُورِهِمْ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ فَاجِرٍ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الزَّجْرِ انْتَهَى. هَذَا كُلُّهُ إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْعَهْدَ، فَإِنْ أَشْكَلَ الْحَالُ وَاحْتَمَلَ كَوْنُهَا لِلْعَهْدِ أَوْ الِاسْتِغْرَاقِ أَوْ الْجِنْسِ، فَلَمْ يُصَرِّحُوا فِيهَا بِنَقْلٍ صَرِيحٍ.

وَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِيهَا ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الْعَهْدِ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ مَالِكٍ مِنْ النَّحْوِيِّينَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ، لِعُمُومِ فَائِدَتِهِ وَلِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ عَنْ الْمُعْظَمِ، وَصَاحِبُ " الْمِيزَانِ " عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ السَّرَّاجِ النَّحْوِيِّ، فَقَالَ: إذَا تَعَارَضَتْ جِهَتَا الْعَهْدِ وَالْجِنْسِ يُصْرَفُ إلَى الْجِنْسِ، وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ. قَالَا: لِأَنَّ الْجِنْسَ يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْعَهْدُ، وَالْعَهْدُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْجِنْسُ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مُجْمَلٌ، لِأَنَّ عُمُومَهُ لَيْسَ مِنْ صِيغَتِهِ، بَلْ مِنْ قَرِينَةِ نَفْيِ الْمَعْهُودِ؛ فَيَتَعَيَّنُ الْجِنْسُ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهَا، وَهُوَ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ فِي كِتَابِهِ، وَقَالَ صَاحِبُهُ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلتَّعْرِيفِ، وَلَيْسَتْ إحْدَى جِهَتَيْ التَّعْرِيفِ بِأَوْلَى مِنْ الثَّانِيَةِ، فَيَكْتَسِبُ اللَّفْظُ جِهَةَ الْإِجْمَالِ لِاسْتِوَائِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا. قُلْت: وَمَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَدْ حَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي كِتَابِهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ قَبْلَهُ: إنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ عَامٌّ، وَلَا يُصَارُ إلَى غَيْرِ الْعُمُومِ إلَّا بِدَلِيلٍ.

وَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ مَذْهَبٌ رَابِعٌ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي " شَرْحِ الْعُنْوَانِ "

<<  <  ج: ص:  >  >>