وَقَالَ الْجَزَرِيُّ: إنَّ النَّقْصَ بِهَذِهِ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ: إنَّ الْمَعْنَى إذَا لَمْ يَقُمْ بِالْمَحِلِّ لَمْ يُشْتَقَّ لَهُ مِنْهُ اسْمٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَمْ تَقُمْ بِمَحَالِّهَا، وَقَدْ اُشْتُقَّ مِنْهَا أَسْمَاءٌ. وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْأَجْسَامَ لَا لَبْسَ فِي عَدَمِ قِيَامِهَا بِمَحَالِّ الْأَسْمَاءِ، وَلَا كَانَتْ الْمَعَانِي يَصِحُّ قِيَامُهَا بِالْمَحَالِّ الَّتِي أُخِذَتْ لَهَا مِنْهَا الْأَسْمَاءُ فَإِذَا أُطْلِقَتْ عَلَى غَيْرِ مَحَالِّهَا الْتَبَسَ الْأَمْرُ فِيهِ.
قَالَ: وَلَوْ قِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إنَّمَا هِيَ النِّسَبُ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ بِالْمَحَالِّ، فَمِنْ النِّسْبَةِ أُخِذَتْ الْأَسْمَاءُ لَا مِنْ الْمُنْتَسَبِ إلَيْهِ، كَانَ لَهُ وَجْهٌ. قُلْت: وَكَأَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ عَلَى إطْلَاقِهِ.
وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الرِّسَالَةِ النِّظَامِيَّةِ: ظَنَّ مَنْ لَمْ يُحَصِّلْ عِلْمَ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ وَصَفُوا الرَّبَّ تَعَالَى بِكَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا، وَزَعَمُوا أَنَّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ وَلَيْسَ هَذَا مَذْهَبَ الْقَوْمِ، بَلْ حَقِيقَةَ مُعْتَقَدِهِمْ: أَنَّ الْكَلَامَ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ اللَّهِ كَخَلْقِهِ الْجَوَاهِرَ وَأَعْرَاضَهَا، فَلَا يَرْجِعُ إلَى حَقِيقَتِهِ وُجُودُ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الْكَلَامِ، فَمَحْصُولُ أَصْلِهِمْ: أَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ كَلَامٌ، وَلَيْسَ قَائِلًا آمِرًا نَاهِيًا، وَإِنَّمَا يَخْلُقُ أَصْوَاتًا فِي جِسْمٍ مِنْ الْأَجْسَامِ دَالٍّ عَلَى إرَادَتِهِ. اهـ.
وَعَلَى هَذَا فَتَنْسَلِخُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ هَذَا الطِّرَازِ، وَلْنُنَبِّهْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هَكَذَا مِنْ بَحْثِ اللُّغَاتِ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ، ثُمَّ لَا يُمْكِنُهُمْ اطِّرَادُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَإِلَّا لَكَانَ جَهْلًا بِالْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ وَخُرُوجًا عَنْ الْعَقْلِ، وَإِنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute