إنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ كَلَامَهُ فِي جِسْمٍ. قَالَ أَصْحَابُنَا لَهُمْ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يُشْتَقَّ مِنْ ذَلِكَ اسْمُ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ ذَلِكَ الْكَلَامِ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ.
وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ إذَا لَمْ يُشْتَقَّ لِمَحِلِّهِ مِنْهُ اسْمٌ، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَقَّ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَحِلِّ مِنْهُ اسْمٌ؟ فَعِنْدَ أَصْحَابِنَا: لَا، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ نَعَمْ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْكَلَامِ.
ثُمَّ إنَّ الْأَشَاعِرَةَ أَطْلَقُوا عَلَى اللَّهِ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ قَائِمٌ بِذَاتِهِ الْكَرِيمَةِ، وَهُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ، وَلَا يُطْلِقُونَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَإِنَّهُمْ يُطْلِقُونَ اسْمَ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى اللَّهِ بِاعْتِبَارِ خَلْقِهِ لِلْكَلَامِ فِي اللَّوْحِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، وَلَا يَعْتَرِفُونَ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ، فَإِذَنْ اسْمُ الْمُتَكَلِّمِ صَادِقٌ عَلَى اللَّهِ، وَلَمْ يَقُمْ بِذَاتِ اللَّهِ الْكَلَامُ، وَيُسَمَّى مُتَكَلِّمًا، وَمَا قَامَ بِهِ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا. هَذَا حَاصِلُ مَا قَالَهُ، ثُمَّ إنَّهُ مَالَ إلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَقَالَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ قِيَامُهُ بِمَنْ لَهُ الِاشْتِقَاقُ. إذْ الْكَيُّ وَالْحِدَادُ وَنَحْوُهُمَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ أُمُورٍ يَمْتَنِعُ قِيَامُهَا بِمَنْ لَهُ الِاشْتِقَاقُ.
وَرُدَّ مَا قَالَهُ بِأَنَّ الْأَصْحَابَ إنَّمَا ادَّعَوْا ذَلِكَ فِي الْمُشْتَقَّاتِ مِنْ الْمَصَادِرِ الَّتِي هِيَ أَسْمَاءُ الْمَعَانِي وَمَا ذَكَرَهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الزَّوَائِدِ وَأَسْمَاءِ الْأَعْيَانِ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: هَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَجْسَامٌ، وَالْكَلَامُ فِي الْمَعَانِي لَا فِي الْأَجْسَامِ، وَهَذَا يُوجِبُ تَخْصِيصَ الْمَسْأَلَةِ بِالْمَصَادِرِ ذَاتِ الْمَعَانِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute