احْتِمَالٌ مَعَ الظُّهُورِ، وَمَثَّلُوهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] فَإِنَّ هَذَا عِنْدَ طَائِفَةٍ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا عَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ طَرِيقٍ أَوْلَى، لَكِنْ فِيهِ احْتِمَالٌ مِنْ جِهَةِ قَصْرِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْمُخْطِئِ، لِكَوْنِ ذَنْبِ الْمُتَعَمِّدِ أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُكَفِّرَ، وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ إذَا كَانَ جَلِيًّا، وَتَنَازَعُوا فِي الْمَظْنُونِ فِيهِ، فَلَمْ يُوجِبْ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ فِي الْعَمْدِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَإِنْ شِئْت فَقُلْ إلَى ضَرُورِيٍّ وَنَظَرِيٍّ. وَحَكَى الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْمَفْهُومَ إنْ تَطَرَّقَ إلَيْهِ أَدْنَى احْتِمَالٍ، فَإِنَّهُ لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ، وَيَرَوْنَ أَنَّ الِاحْتِمَالَ فِي هَذَا يَسْقُطُ الْعَمَلُ بِهِ، بِخِلَافِ اللَّفْظِيِّ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ تَارَةً يَكُونُ أَوْلَى، وَتَارَةً يَكُونُ مُسَاوِيًا، هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ، وَالْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ، وَأَتْبَاعُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ فِيهِ الْأَوْلَوِيَّةَ، وَهُوَ قَضِيَّةُ مَا نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي " الرِّسَالَةِ " وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَعَلَيْهِ جَرَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مَوْضِعٍ، وَنَقَلَهُ الْهِنْدِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: شَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَعْنَى فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ أَقَلَّ مُنَاسَبَةً لِلْحُكْمِ مِنْ الْمَعْنَى فِي الْمَنْطُوقِ فِيهِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَوْلَى وَالْمُسَاوِي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَسْمِيَةُ الشَّافِعِيِّ لَهُ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ كَوْنُ الْحُكْمِ فِي الْمَقِيسِ أَوْلَى مِنْ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، فَلَا يَحْسُنُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِاشْتِرَاطِ الْأَوْلَوِيَّةِ تَسْمِيَتُهُ جَلِيًّا بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ أَخَصُّ مِنْهُ. وَلَوْ سُمِّيَ بِهِ لَكَانَ مِنْ تَسْمِيَةِ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ، وَعَلَيْهِ يُنْزِلُونَ تَسْمِيَةَ الشَّافِعِيِّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute