مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ، لِأَنَّ لَيَالِيَهُنَّ مُقَيَّدٌ بِالْإِضَافَةِ، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ الْمُسَافِرُ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا يَمْسَحُ اللَّيْلَةَ الرَّابِعَةَ. وَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ يَمْسَحُ لَيْلَتَهُ حَمْلًا عَلَى الْمُطْلَقِ، كَمَا لَوْ تَأَخَّرَتْ لَيْلَةُ الْيَوْمِ عَنْهُ.
الثَّانِيَةُ: كَثُرَ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يَقُولُوا: هَذَا مُطْلَقٌ، وَالْمُطْلَقُ يَكْفِي فِي الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ إعْمَالُهُ فِي صُورَةٍ، وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ فِي كَذَا، فَلَا يَبْقَى حُجَّةٌ فِي غَيْرِهِ. وَقَدْ اسْتَعْظَمَ جَمْعٌ هَذَا السُّؤَالَ: وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى " فُرُوعِ ابْنِ الْحَاجِبِ " بِأَنَّهُ إنَّمَا يُكْتَفَى بِالْعَمَلِ بِهِ فِي صُورَةٍ حَيْثُ لَا يَلْزَمُ تَرْكُ مَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَى الْعُمُومِ فِيهِ، بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فِي كُلِّ صُورَةٍ يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْعُمُومِ فِيهَا فِي الْحَالَةِ الْمُطْلَقَةِ تَرْكُ الْعُمُومِ فِيمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ صِيغَةُ الْعُمُومِ، مِثَالُهُ قَوْلُ الْحَنَفِيِّ فِي جَوَابِ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الْوُضُوءَ تَجِبُ فِيهِ النِّيَّةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يُقَرِّبُ وُضُوءَهُ» فَيَقُول الْحَنَفِيُّ: هُوَ عَامٌّ فِي التَّوَضُّؤِ، مُطْلَقٌ فِي الْوُضُوءِ، وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ فِي الْوُضُوءِ الْمَنْوِيِّ، فَلَا يَبْقَى حُجَّةٌ فِي غَيْرِهِ. وَجَوَابُهُ أَنَّ الْعُمُومَ فِي التَّوَضُّؤِ يَلْزَمُ مِنْهُ الْعُمُومُ فِي الْوُضُوءِ، لِأَنَّهُ مَا مِنْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْوُضُوءِ إلَّا وَفَاعِلُهُ مُتَوَضِّئٌ، فَيَنْدَرِجُ تَحْتَ الْعُمُومِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُثَابًا عَلَيْهِ نَظَرًا إلَى عُمُومِ اللَّفْظِ.
وَقَالَ فِي " شَرْحِ الْإِلْمَامِ ": أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْمُطْلَقَ يَكْفِي فِي الْعَمَلِ بِهِ مَرَّةً، فَنَقُولُ: يُكْتَفَى فِيهِ بِالْمَرَّةِ فِعْلًا أَوْ حُكْمًا؟ الْأَوَّلُ: مُسَلَّمٌ، الثَّانِي: مَمْنُوعٌ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمُطْلَقَ إذَا فُعِلَ مُقْتَضَاهُ مَرَّةً، وَوُجِدَتْ الصُّورَةُ الْجُزْئِيَّةُ الَّتِي يَدْخُلُ تَحْتَهَا الْكُلِّيُّ الْمُطْلَقُ، وَفِي ذَلِكَ فِي الْعَمَلِ بِهِ، كَمَا إذَا قَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً، فَفَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً، لَا يَلْزَمُ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ أُخْرَى، لِحُصُولِ الْوَفَاءِ بِمُطْلَقِ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ اقْتِضَاءِ الْأَمْرِ الْعُمُومَ، وَكَذَا إذَا قَالَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَتْ مَرَّةً وَحَنِثَ، لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا ثَانِيًا، لِوُجُودِ مُقْتَضَى اللَّفْظِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute