للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي كَلَامِ سِيبَوَيْهِ نَفْسِهِ أَجَابَ التَّقْرِيرَ بِ نَعَمْ اتِّبَاعًا لِبَعْضِ الْعَرَبِ، وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ ابْنُ الطَّرَاوَةِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: رُبَّمَا نَاقَضَتْهَا " نَعَمْ " وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا تُنَاقِضُهَا قَلِيلًا بَلْ هِيَ مُنَاقِضَةٌ لَهَا دَائِمًا؛ لِأَنَّ " نَعَمْ " تَصْدِيقٌ لِمَا قَبْلَهَا وَبَلَى رَدٌّ لَهُ، وَلِهَذَا قِيلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّهُمْ لَوْ قَالُوا: نَعَمْ كَفَرُوا. وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ سِيبَوَيْهِ فَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ ابْنُ خَرُوفٍ، وَإِنَّمَا قَالَ: دُخُولُ " نَعَمْ " هُنَا لَا وَجْهَ لَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ الْجَوْهَرِيُّ بِذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ: أَقَامَ زَيْدٌ أَمْ لَمْ يَقُمْ زَيْدٌ؟ نَعَمْ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَامَ زَيْدٌ وَيُرِيدُ أَنَّهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ تَكُونُ " نَعَمْ " مُنَاقِضَةً " لِ بَلَى " وَكَلَامُ ابْنِ عَطِيَّةِ يَقْتَضِي جَوَازَ وُقُوعِ نَعَمْ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: وَ " بَلَى " هِيَ الَّتِي تَقْتَضِي الْإِقْرَارَ بِمَا اُسْتُفْهِمَ عَنْهُ مَنْفِيًّا، وَلَا تَقْتَضِي نَفْيَهُ وَجَحْدَهُ، وَنَعَمْ تَصْلُحُ لِلْإِقْرَارِ بِهِ كَمَا وَرَدَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ الْأَنْصَارِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ عَاتَبَهُمْ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، وَتَصْلُحُ أَيْضًا لِجَحْدِهِ فَلِذَلِكَ لَا تُسْتَعْمَلُ.

وَأَمَّا قَوْلُ الزَّجَّاجِ وَغَيْرِهِ: إنَّهَا إنَّمَا تَقْتَضِي جَحْدَهُ وَأَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا بِهِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: ١٧٢] لَكَفَرُوا فَقَوْلُهُ خَطَأٌ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّلَوْبِينُ: لَا يَمْتَنِعُ فِي الْآيَةِ أَنْ يَقُولُونَ: نَعَمْ لَا عَلَى جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ وَلَكِنْ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ فِي قَوْلِهِ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: ١٧٢] تَقْرِيرٌ، وَالتَّقْرِيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>