لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ بِضْعًا لِشَيْءٍ وَجُزْءًا مِنْهُ. وَلَا جَاءَ زَيْدٌ حَتَّى عَمْرٌو كَذَلِكَ أَيْضًا، وَلِلْمُسَاوَاةِ، وَكُلُّ هَذَا لَا يَمْتَنِعُ فِي الْوَاوِ.
وَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ " حَتَّى " لِلْغَايَةِ إمَّا فِي نَقْصٍ أَوْ زِيَادَةٍ، نَحْوُ عَلَيْك النَّاسُ حَتَّى النِّسَاءُ، وَاخْتُطِفَتْ الْأَشْيَاءُ حَتَّى مَثَاقِيلُ الدُّرِّ، ثُمَّ قَالُوا: إنَّهَا لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ بَلْ تَكُونُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ كَالْوَاوِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ مُشْكِلٌ. فَإِنْ قُلْت: الْغَايَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالْوَاقِعُ لَيْسَ هُوَ هَذَا، بَلْ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَوَّلَ، وَمَا بَعْدَهُ أَوْ الْأَخِيرُ، وَمَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا تَكُونُ لِلتَّرْتِيبِ. قُلْت: لَوْ لَمْ تَكُنْ لِلتَّرْتِيبِ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الْقُوَّةِ أَوْ الضَّعْفِ فَائِدَةٌ، وَلَوْ لَمْ تَقْتَضِ التَّأْخِيرَ عَقْلًا وَعَادَةً لَمْ يَحْسُنْ ذَلِكَ، فَإِنْ قُلْت: فَائِدَتُهُ إفَادَةُ الْعُمُومِ، قُلْت: الْعُمُومُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَفْهُومِ، وَفِيهِ نَظَرٌ.
التَّنْبِيهُ الثَّانِي " حَتَّى " الدَّاخِلَةُ عَلَى الْأَفْعَالِ قَدْ تَكُونُ لِلْغَايَةِ وَلِمُجَرَّدِ السَّبَبِيَّةِ وَالْمُجَازَاةِ وَلِلْعَطْفِ الْمَحْضِ أَيْ: التَّشْرِيكِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ غَايَتِهِ وَسَبَبِيَّتِهِ، فَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصْلُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا أَمْكَنَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: ٢٩] فَإِنَّ الْقَتْلَ يَصْلُحُ لِلِامْتِدَادِ، وَقَبُولُ الْجِزْيَةِ يَصْلُحُ مُنْتَهًى لَهُ. وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور: ٢٧] أَيْ تَسْتَأْذِنُوا، فَإِنَّ الْمَنْعَ مِنْ دُخُولِ بَيْتِ الْغَيْرِ يَحْتَمِلُ الِامْتِدَادَ، وَالِاسْتِئْذَانُ يَصْلُحُ مُنْتَهًى لَهُ. وَجَعَلَ حَتَّى هَذِهِ دَاخِلَةً عَلَى الْفِعْلِ نَظَرًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَإِلَّا فَالْفِعْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute