مَعَ قَرِينَةِ كَوْنِ الْحَالِفِ فِي مِثْلِهِ يُرِيدُ الِاجْتِنَابَ وَمُبَاعَدَةَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَمَتَى أُكِلَ الرَّغِيفُ إلَّا لُقْمَةً فَإِنَّهُ مَقْصُودُ الِاجْتِنَابِ.
الثَّانِي: مُقَابِلُ الْأَوَّلِ لَا يَقْتَضِي الْفِعْلَ فِي الِاسْتِيعَابِ، كَقَوْلِك: شَجَّ زَيْدٌ عَمْرًا، فَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ إلَّا جُرْحَهُ فِي رَأْسِهِ خَاصَّةً بَعْضَ الْوَجْهِ وَلَا تَكُونُ الشَّجَّةُ إلَّا كَذَلِكَ، وَمِنْهُ ضَرَبْت زَيْدًا. الثَّالِثُ: كَالثَّانِي إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ هُوَ الْمَانِعُ لِلِاسْتِيعَابِ، كَقَوْلِك: جَعَلْت الْخَيْطَ فِي الْإِبْرَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ وَقَفْته عَلَى جُمْلَةِ الْإِبْرَةِ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [نوح: ٧] . الرَّابِعُ: يَخْتَلِفُ الْحَالُ فِيهِ بِدُخُولِ حَرْفِ الْجَرِّ فِيهِ وَعَدَمِهِ، وَمِنْهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِعْلُ الْمَسْحِ إنْ اقْتَرَنَ بِالْبَاءِ كَانَ لِلتَّبْعِيضِ، وَإِلَّا لِلِاسْتِيعَابِ، وَكَذَلِكَ مَا يَقُولُ أَبُو عَلِيٍّ فِي السَّيْرِ وَالْيَوْمِ لَوْ قُلْت: سِرْت الْيَوْمَ فَظَاهِرُهُ الِاسْتِيعَابُ، وَإِنْ قُلْت: سِرْت فِي الْيَوْمِ فَظَاهِرُهُ عَدَمُ الِاسْتِيعَابِ، وَتَتَحَقَّقُ الظَّرْفِيَّةُ بِدُخُولِ " فِي " وَتَغْلِبُ الِاسْمِيَّةُ بِسُقُوطِهَا، وَلِهَذَا كَانَ الْأَوْلَى حِينَ تَتَحَقَّقُ الظَّرْفِيَّةُ النَّصْبَ.
تَقُولُ: سِرْت الْيَوْمَ فِيهِ، وَحِينَ تَغْلِبُ الِاسْمِيَّةُ الرَّفْعَ تَقُولُ: الْيَوْمَ سِرْته، وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْفَرْقِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ. مِنْهَا: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي يَوْمِ السَّبْتِ يَقَعُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَوْ نَوَى وُقُوعَهُ فِي آخِرِهِ يُدَيَّنُ، وَلَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا عِنْدَنَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقْبَلُ، وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ. وَجَعَلَ السُّرُوجِيُّ مَأْخَذَهُمَا أَنَّ حَذْفَ حَرْفِ الْجَرِّ وَإِثْبَاتَهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ فِي الْحَالَيْنِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: صُمْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا سَوَاءٌ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَذْفَ لِلْحَرْفِ قَدْ يُحْدِثُ مَعْنًى لَا يَكُونُ مَعَ إثْبَاتِهِ؛ لِأَنَّ " فِي " قَدْ تُفِيدُ التَّبْعِيضَ فِي الظَّرْفِ الدَّاخِلِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ، وَلِهَذَا قَالُوا فِي قَوْلِهِمْ: سِرْت فَرْسَخًا وَسِرْت فِي فَرْسَخٍ: إنَّ الظَّاهِرَ فِي الْأَوَّلِ الِاسْتِغْرَاقُ فِي السَّيْرِ وَفِي الْآخَرِ عَدَمُهُ، وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ حَتَّى يَخْرُجَ صُمْت فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّ صَوْمَ بَعْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute