أَحَدُهَا: يُعْتَبَرَانِ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي مُخْتَصَرِهِ الصَّغِيرِ ". وَالثَّانِي: وَهُوَ الْمُخْتَارُ لَا يُعْتَبَرَانِ وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا لَكِنْ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: ١١٠] وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَشُورَةُ. وَأَحْسَنُ مِنْهُ الِاحْتِجَاجُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: ٧٧] وَقَطَعَ بِهِ الْعَبْدَرِيُّ فِي الْمُسْتَوْفَى " مُحْتَجًّا بِإِجْمَاعِ النَّحْوِيِّينَ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَأَنَّهُ لَا رُتْبَةَ بَيْنَهُمَا. وَذَكَرُوا أَيْضًا الدُّعَاءَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَسَّمُوهُ إلَى مَا يَأْتِي بِلَفْظِ الْأَمْرِ، نَحْوَ ارْحَمْنَا، وَبِلَفْظِ النَّهْيِ، نَحْوَ لَا تُعَذِّبْنَا. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الدُّعَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَإِنَّمَا قِيلَ: لَهُ الدُّعَاءُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْظَمَ أَنْ يُقَالَ: أَمْرٌ وَنَهْيٌ. انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرُوا الْمُقَابِلَ لِلدُّعَاءِ اسْمًا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَكَانَ هَذَا أَمْرًا طَارِئًا عَلَى اللُّغَةِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا. قَالَ: فَالصَّوَابُ: أَنَّ صِيغَةَ " افْعَلْ " ظَاهِرٌ فِي اقْتِضَاءِ الْفِعْلِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَعْلَى أَوْ مُسَاوٍ أَوْ دُونَ لَكِنْ يَتَمَيَّزُ بِالْقَرِينَةِ فَإِنْ كَانَ الْمُخَاطَبُ مَخْلُوقًا كَانَتْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى الدُّعَاءِ بِالِاصْطِلَاحِ الْعُرْفِيِّ الشَّرْعِيِّ لَا اللُّغَوِيِّ. وَيَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ، قَوْلُ ابْنِ فَارِسٍ فِي كِتَابِهِ فِقْهِ الْعَرَبِيَّةِ " وَهُوَ مِنْ فُرْسَانِ اللُّغَةِ: الْأَمْرُ عِنْدَ الْعَرَبِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْهُ الْمَأْمُورُ بِهِ سُمِّيَ الْمَأْمُورُ بِهِ عَاصِيًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute