الْكَلَامُ ظَاهِرُ التَّنَاقُضِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ الْإِرَادَةُ، ثُمَّ يُجْعَلُ إطْلَاقُ الْإِرَادَةِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى الْآمِرِ. وَلِمَنْ يَنْتَصِرُ لِلْكَعْبِيِّ أَنْ يَقُولَ: هُوَ لَمْ يَنْفِهَا غَايَتُهُ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ النَّفْيُ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ عِنْدَنَا غَيْرُ الْإِرَادَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَقُومُ بِالنَّفْسِ عِنْدَ الطَّلَبِ مَعْنًى غَيْرُ إرَادَةِ الْفِعْلِ فَإِنَّا نَجِدُ الْآمِرَ يَأْمُرُ بِمَا لَا يُرِيدُ، وَهُوَ آمِرٌ، وَإِلَّا لَمَا عُدَّ تَارِكُهُ مُخَالِفًا. وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: هُوَ إرَادَةُ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَيَلْزَمُهُمْ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ تَكُونَ الْمَعَاصِي الْوَاقِعَةُ مَأْمُورًا بِهَا؛ لِأَنَّهَا مُرَادَةٌ، أَوْ لَا يَكُونُ وُقُوعُهَا بِإِرَادَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُحَالٌ. وَلِلتَّخَلُّصِ مِنْ هَذِهِ الْوَرْطَةِ صَارَ أَصْحَابُنَا إلَى التَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا، لَكِنْ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَمْرَ بِمَا لَا يُرِيدُهُ حَقِيقَةٌ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ صِيغَتَهُ صِيغَةُ الْأَمْرِ، وَقَدْ يُمْنَعُ بِمَا سَبَقَ فَإِنَّهُ يُعَدُّ تَارِكُهُ مُخَالِفًا. وَعِنْدِي: أَنَّ الْخِلَافَ لَمْ يَتَوَارَدْ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَإِنَّا نُرِيدُ بِالْإِرَادَةِ الطَّلَبَ النَّفْسِيَّ الَّذِي لَا يَتَخَلَّفُ، وَالْمُعْتَزِلَةُ لَا يُرِيدُونَ ذَلِكَ لِإِنْكَارِهِمْ كَلَامَ النَّفْسِ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ: إنَّ الْوَاضِعَ وَضَعَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لِلطَّلَبِ الَّذِي يَعْرِفُهُ كُلُّ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ هُوَ الْإِرَادَةُ، فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مَوْضُوعَةٌ لِلْإِرَادَةِ.
وَقَالُوا: الطَّلَبُ الَّذِي يُغَايِرُ الْإِرَادَةَ لَوْ صَحَّ الْقَوْلُ بِهِ لَكَانَ أَمْرًا خَفِيًّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا الْخَوَاصُّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوضَعَ اللَّفْظُ لِمَعْنًى خَفِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ ": ثُمَّ هُوَ أَمْرٌ بِصِيغَتِهِ وَلَيْسَ بِأَمْرٍ. بِالْإِرَادَةِ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ هُوَ أَمْرٌ بِإِرَادَةِ الْآمِرِ الْمَأْمُورَ بِهِ، وَهِيَ تَنْبَنِي عَلَى مَسْأَلَةٍ كَلَامِيَّةٍ فَإِنَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ بِالشَّيْءِ وَلَا يُرِيدَهُ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - إبْلِيسَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْجُدَ، وَنَهَى آدَمَ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ، وَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ، وَأَمَرَ إبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ ابْنِهِ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يُذْبَحَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute