{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البقرة: ١٩٤] أَيْ إنْ شِئْتُمْ، وَلِهَذَا قَالَ: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: ٤٥] قَالَ: وَكُلُّ مَا جَازَ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى خُصُوصِ الْعَامِّ جَازَ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ. قَالَ: وَقَدْ تَرِدُ الْآيَةُ الْوَاحِدَةُ بِأَمْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِمَعْنَيَيْنِ نَحْوَ قَوْلِهِ: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١] وَقَوْلِهِ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: ١] وَقَوْلِهِ: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: ٣٣] ثُمَّ قَالَ: {وَآتُوهُمْ} [النور: ٣٣] . وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا مَتَى كَانَتْ بِمَعْنَى الطَّلَبِ وَالشَّفَاعَةِ، أَوْ التَّعْجِيزِ أَوْ التَّهْدِيدِ أَوْ الْإِهَانَةِ أَوْ التَّقْرِيعِ أَوْ التَّسْلِيمِ وَالتَّحْكِيمِ لَمْ يَكُنْ أَمْرًا، وَأَمَّا التَّكْوِينُ فَقَدْ سَمَّاهُ أَصْحَابُنَا أَمْرًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: ١١٧] . وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى الْإِيجَابِ أَمْرٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي النَّدْبِ وَالتَّرْغِيبِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْأَمْرِ بِالنَّوَافِلِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، وَالْأَوَّلُ: أَظْهَرُ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: هُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ مُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ: إنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ. انْتَهَى. إذَا عَلِمْت هَذَا فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَيْسَتْ حَقِيقَةً فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَعَانِي؛ لِأَنَّ أَكْثَرَهَا لَمْ يُفْهَمْ مِنْ صِيغَةِ " افْعَلْ " لَكِنْ بِالْقَرِينَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي بَعْضِهَا. قَالَ الْإِمَامُ: الْخِلَافُ فِي أُمُورٍ خَمْسَةٍ مِنْهَا، وَهِيَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ، لِمَا سَيَأْتِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute