للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْت: الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ قَوْلًا وَاحِدًا حَتَّى يَرِدَ مَا يَصْرِفُهُ، وَأَنَّ لَهُ فِي الْأَمْرِ قَوْلَيْنِ أَرْجَحُهُمَا: أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي الْإِبَاحَةَ وَالْوُجُوبَ. الثَّانِي: أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ، وَهُوَ الْأَقْوَى دَلِيلًا فَإِنَّهُ قَالَ فِي: أَحْكَامِ الْقُرْآنِ " فِيمَا جَاءَ مِنْ أَمْرِ النِّكَاحِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢] : وَالْأَمْرُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ النَّاسِ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ شَيْئًا ثُمَّ أَبَاحَهُ، كَقَوْلِهِ: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢] وَأَنْ يَكُونَ دَلَّهُمْ عَلَى مَا فِيهِ رُشْدُهُمْ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سَافِرُوا تَصِحُّوا» وَأَنْ يَكُونَ حَتْمًا، وَفِي كُلِّ حَتْمٍ مِنْ اللَّهِ الرُّشْدُ فَيَجْتَمِعُ الْحَتْمُ وَالرُّشْدُ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: الْأَمْرُ كُلُّهُ لِلْإِبَاحَةِ حَتَّى تُوجَدَ دَلَالَةٌ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْحَتْمُ فَيَكُونُ فَرْضًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا نَهَى اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ عَنْهُ مُحَرَّمٌ حَتَّى تُوجَدَ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَلَى غَيْرِ التَّحْرِيمِ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الْإِرْشَادُ أَوْ تَنَزُّهًا أَوْ تَأَدُّبًا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي مَعْنَى النَّهْيِ فَيَكُونَانِ لَازِمَيْنِ إلَّا بِدَلَالَةِ أَنَّهُمَا غَيْرُ لَازِمَيْنِ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ "، وَابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْوَجِيزِ ": هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ

<<  <  ج: ص:  >  >>