عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ ذَلِكَ بِوَاسِطَةِ أَنَّ الْأَمْرَ عِنْدَهُمْ يَقْتَضِي الْإِرَادَةَ، وَالْحَكِيمُ لَا يُرِيدُ إلَّا الْحَسَنَ، وَالْحَسَنُ يَنْقَسِمُ إلَى وَاجِبٍ وَنَدْبٍ، فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُحَقَّقِ وَهُوَ النَّدْبُ، فَلَيْسَتْ الصِّيغَةُ عِنْدَهُمْ مُقْتَضِيَةً لِلنَّدَبِ إلَّا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ.
وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: هَذَا أَقْرَبُ إلَى حَقِيقَةِ مَذْهَبِ الْقَوْمِ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: هُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي حُسْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْحُسْنُ وَاجِبًا، وَقَدْ يَكُونُ نَدْبًا، وَكَوْنُهُ نَدْبًا يَقِينٌ، وَفِي وُجُوبِهِ شَكٌّ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَذَكَرَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ نَحْوَهُ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْإِبَاحَةِ الَّتِي هِيَ أَدْنَى الْمَرَاتِبِ، وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ " عَنْ حِكَايَةِ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، فَقَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَمْرُ كُلُّهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى الْمُرْشَدِ حَتَّى تُوجَدَ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْأَمْرِ الْحَتْمُ، وَمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ مُحَرَّمٌ حَتَّى تُوجَدَ الدَّلَالَةُ بِأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ التَّحْرِيمِ. وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ) ثُمَّ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي مَعْنَى النَّهْيِ فَيَكُونَانِ لَازِمَيْنِ إلَّا بِدَلَالَةِ أَنَّهُمَا غَيْرُ لَازِمَيْنِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: «فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» أَنَّ عَلَيْهِمْ الْإِتْيَانَ بِمَا اسْتَطَاعُوا؛ لِأَنَّ النَّاسَ إنَّمَا يُلْزَمُونَ بِمَا اسْتَطَاعُوا. وَعَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ طَلَبُ الدَّلَائِلِ حَتَّى يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَعًا. انْتَهَى.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي شَرْحِ التَّرْتِيبِ ": حُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدَبِ وَأَنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ، وَهَذَا لَا يُعْرَفُ عَنْهُمْ بَلْ الْمَعْرُوفُ مِنْ عَصْرِ الصَّحَابَةِ إلَى وَقْتِنَا هَذَا أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى الْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا هَذَا قَوْلُ قَوْمٍ لَيْسُوا مِنْ الْفُقَهَاءِ أَدْخَلُوا أَنْفُسَهُمْ فِيمَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، كَمَا نَسَبَ قَوْمٌ إلَى الشَّافِعِيِّ الْقَوْلَ بِالتَّوَقُّفِ فِي الْعُمُومِ، وَلَيْسَ هُوَ مَذْهَبَهُ. انْتَهَى. الرَّابِعُ: أَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute