وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالطَّرَفِ الرَّاجِحِ، وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ الشَّكَّ لَا حُكْمَ فِيهِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ مَعَ الْمُسَاوَاةِ فَلَأَنْ يَقُولُوا بِامْتِنَاعِ الْحُكْمِ بِالْمَرْجُوحِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى.
[خَاتِمَةٌ] أُخْرَى الْجَهْلُ وَالظَّنُّ وَالشَّكُّ أَضْدَادُ الْعِلْمِ عِنْدَنَا، وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ إلَى أَنَّ الْجَهْلَ مُمَاثِلٌ لِلْعِلْمِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ اعْتِقَادَ الْمُقَلِّدِ لِلشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِثْلُ الْعِلْمِ.
[خَاتِمَةٌ] أُخْرَى يُطْلَقُ الْعِلْمُ عَلَى الظَّنِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: ١٠] إذْ الْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ فِي ذَلِكَ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَقَوْلِهِ: {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: ٨١] سَمَّوْا غَيْرَ الْمُطَابِقِ عِلْمًا، فَكَيْفَ الظَّنُّ الْمُطَابِقُ؟ وَأُقِرُّوا عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ: الْحَقِيقَةُ. وَقَوْلِهِ: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦] وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَقْفُوَ مَا يَظُنُّهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: يَقْضِي الْقَاضِي بِعِلْمِهِ. وَيُطْلَقُ الظَّنُّ عَلَى الْعِلْمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة: ٤٦] أَيْ يَعْلَمُونَ، إذْ الظَّنُّ فِي ذَلِكَ غَيْرُ كَافٍ، وَيُطْلَقُ الظَّنُّ عَلَى غَيْرِ الْمُطَابِقِ كَثِيرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا} [الفتح: ١٢] وَيُطْلَقُ الشَّكُّ عَلَى الظَّنِّ وَعَلَيْهِ غَالِبُ إطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute