فِي الْحَجِّ، وَقَوْلُهُ: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: ٦] الْآيَةَ، لَمَّا أَمَرَ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ يَغْسِلُ كُلَّ الْأَعْضَاءِ لِلْجَنَابَةِ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَغْسِلَ الْأَعْضَاءَ مَرَّتَيْنِ مِنْ أَجْلِ الْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ، لِأَنَّهُ أَمَرَ مَنْ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا بِالصَّلَاةِ الَّتِي وَضَعَهَا، وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى الْوُضُوءَ مِنْ الْحَدَثِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ إنَّمَا هُوَ عَلَمٌ لِنَقْضِ الطَّهَارَةِ لَا لِإِيجَابِهَا، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ إذَا أَحْدَثَ وَجَبَ أَنْ يَتَطَهَّرَ لَا لِلصَّلَاةِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الطَّهَارَةَ لِلصَّلَاةِ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَجْلِ الْحَدَثِ لَلَزِمَ تَكْرَارُ الْغُسْلِ كَمَا يَلْزَمُ مَنْ أُمِرَ إنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ أَجْلِ شَيْءٍ، وَفَعَلَ مِثْلَهُ مِنْ أَجْلِ غَيْرِهِ كَأَمْرِنَا بِالْفِدْيَةِ إذَا حَلَقَ، وَإِذَا لَبِسَ نَعْلَيْهِ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو الْخَطَّابِ الْحَنْبَلِيُّ فِي تَمْهِيدِهِ ". وَالثَّانِي: أَنَّهُ اسْتِئْنَافٌ فَيَقْتَضِي الْأَمْرَ بِتَكْرِيرِ الْفِعْلِ، وَنَسَبَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ لِأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لَهُ وَإِلْكِيَا الْهِرَّاسِيّ، وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: إنَّهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَحَكَاهُ الْهِنْدِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، وَنَسَبَهُ صَاحِبُ الْوَاضِحِ " الْمُعْتَزِلِيُّ لِعَبْدِ الْجَبَّارِ، وَنَسَبَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ لِأَهْلِ الرَّأْيِ، وَقَطَعَ بِالْأَوَّلِ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ شُيُوخِنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَامَّةُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَنَقَلَ وَجْهًا ثَالِثًا، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَى التَّأْكِيدِ وَالتَّكْرَارِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَنَسَبَهُ لِابْنِ فُورَكٍ، وَرَأَيْت فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute