للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْمَعْرِفَةِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ الثَّانِي إلَى مَا انْصَرَفَ إلَيْهِ الْأَوَّلُ سَوَاءٌ بِالْعَطْفِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا وَرَدَا بِالْمَعْرِفَةِ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ مَتَى ظَفِرَا بِمَعْهُودٍ فَإِنَّهُمَا يَنْصَرِفَانِ إلَيْهِ إلَّا لِمَانِعٍ، وَلِهَذَا حَمَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْعُسْرَ الثَّانِيَ عَلَى الْأَوَّلِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: ٥] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: ٦] حَتَّى قَالَ: " لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنَ ". الرَّابِعُ: أَنْ لَا يُعْطَفَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ عُطِفَ فَلَا خِلَافَ فِي حَمْلِ الثَّانِي عَلَى الِاسْتِئْنَافِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَصَاحِبُ الْوَاضِحِ "، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْعُدَّةِ "، وَلَكِنَّهُ خَصَّ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ لَامُ التَّعْرِيفِ، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ قَالَ: فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقِيلَ: يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَقِيلَ بِالْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايِرَةَ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ تَقْتَضِي الِاتِّحَادَ. وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ ": إذَا أَمَرَ بِفِعْلٍ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِآخَرَ فَلِلْمَسْأَلَةِ أَحْوَالٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الثَّانِي خِلَافَ الْأَوَّلِ، نَحْوَ {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] فَهُمَا مُتَغَايِرَانِ.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ضِدَّهُ فَكَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ كَقَوْلِهِ: لَا تَمَسَّ زَيْدًا بِسُوءٍ، وَلَا تَضْرِبْهُ ثُمَّ تَقُولُ: اضْرِبْهُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَتَعَدَّدَ الْوَقْتُ، فَلَوْ اتَّحَدَ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ وَرَدَ حُمِلَ عَلَى التَّخْيِيرِ.

الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ الثَّانِي مِثْلَ مُوجِبِ الْأَوَّلِ فَهَذَا وَضْعُ الْخِلَافِ، فَذَهَبَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إلَى أَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ، وَهَذَا الَّذِي يَجِيءُ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْأَوَّلُ، وَلَا بُدَّ أَيْضًا فِي هَذَا مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْفِعْلِ مِمَّا يَصِحُّ تَكْرَارُهُ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ مُتَنَاوِلًا لِجَمِيعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>