الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ اُشْتُهِرَ حِكَايَةُ قَوْلِ التَّرَاخِي، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَغَيْرُهُمْ: إنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ مَدْخُولٌ؛ إذْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الصِّيغَةَ الْمُطْلَقَةَ تَقْتَضِي التَّرَاخِي، حَتَّى لَوْ فُرِضَ الِامْتِثَالُ عَلَى الْبِدَارِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَهَذَا لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ، فَالْأَحْسَنُ فِي الْعِبَارَةِ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يُقَالَ: الْأَمْرُ يَقْتَضِي الِامْتِثَالَ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِوَقْتٍ. انْتَهَى. وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: إنَّ الْعِبَارَةَ الصَّحِيحَةَ أَنْ يُقَالَ: لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَالتَّعْجِيلَ، قَالَ: وَمَعْنَى أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ، لَا أَنَّهُ يَجِبُ تَأْخِيرُهُ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ ذَلِكَ. انْتَهَى لَفْظُهُ. وَقَدْ سَبَقَ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ حِكَايَةُ قَوْلِ: إنَّ الْمُبَادَرَةَ لَا يُعْتَدُّ بِهَا، وَحَكَى الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى " الْخِلَافَ أَيْضًا فِي الْمُبَادِرِ هَلْ هُوَ مُمْتَثِلٌ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: أَمَّا الْمُبَادِرُ فَمُمْتَثِلٌ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ غَلَا، فَقَالَ: يُتَوَقَّفُ فِي الْمُبَادِرِ.
وَحَكَى الْإِبْيَارِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ " أَنَّ بَعْضَ الْأُصُولِيِّينَ ذَهَبَ إلَى أَنَّ مَنْ أَخَّرَ لَا يُعْتَدُّ مِنْهُ بِمَا فَعَلَ مُؤَخَّرًا قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَالتَّرْجَمَةُ لَا مُؤَاخَذَةَ عَلَيْهَا وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فَالتَّعْبِيرُ بِالْفَوْرِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُؤَخِّرَ لَيْسَ بِمُمْتَثِلٍ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ: إنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ. الثَّالِثُ: قِيلَ: الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْوَاجِبِ دُونَ النَّدْبِ. وَقِيلَ: يَكُونُ فِيهِمَا، قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تُتَصَوَّرُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: الْأَمْرُ لِلدَّوَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute