وَالثَّانِي: أَنَّهُ لِلتَّنْزِيهِ حَقِيقَةً لَا لِلتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهَا يَقِينٌ فَحُمِلَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى التَّحْرِيمِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَحَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجْهًا، وَعَزَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ الْحَنْبَلِيُّ لِقَوْمٍ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ حَقِيقَةً كَمَا أَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَجَعُوا فِي التَّحْرِيمِ إلَى مُجَرَّدِ النَّهْيِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧] وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَتَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ، فَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ ": فِي بَابِ الْعِلَلِ فِي الْأَحَادِيثِ: وَمَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ عَلَى التَّحْرِيمِ حَتَّى يَأْتِيَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا إنَّمَا أَرَادَ بِهِ غَيْرَ التَّحْرِيمِ، وَقَالَ فِي الْأُمِّ " فِي كِتَابِ صِفَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ: النَّهْيُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ كَانَ مَا نَهَى عَنْهُ فَهُوَ مُحَرَّمٌ حَتَّى تَأْتِيَ دَلَالَةٌ أَنَّهُ بِمَعْنَى غَيْرِ التَّحْرِيمِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ " أَيْضًا. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: قَطَعَ الشَّافِعِيُّ قَوْلَهُ: إنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ بِخِلَافِ الْأَمْرِ، فَإِنَّهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَيَّنَ الْقَوْلَ فِيهِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ كَمَا سَبَقَ. فَنَقُولُ: إنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ قَوْلًا وَاحِدًا حَتَّى يَرِدَ مَا يَصْرِفُهُ، وَلَهُ فِي الْأَمْرِ قَوْلَانِ، وَعَلَى هَذَا فَهَلْ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ أَمْ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. كَالْوَجْهَيْنِ فِي الْأَمْرِ، ثُمَّ الْمُرَادُ صِيغَةُ " لَا تَفْعَلْ " فَأَمَّا لَفْظُ " ن هـ ى " فَإِنَّهُ لِلْقَوْلِ الطَّالِبِ لِلتَّرْكِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا. وَقَالَ ابْنُ فُورَكٍ: صِيغَتُهُ عِنْدَنَا " لَا تَفْعَلْ " وَ " انْتَهِ " وَ " اُكْفُفْ " وَنَحْوُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute