للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَهْيًا يَدُلُّ عَلَى عَجْزِهِمْ عَنْ قُدْرَتِهِمْ وَلَوْلَا النُّونُ لَكَانَ نَهْيًا، وَأَنَّ لَهُمْ قُدْرَةً كَفَّهُمْ عَنْهَا النَّهْيُ، وَعَكْسُهُ قَوْلُهُ: {لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: ٢] أَيْ: لَا تَرْتَابُوا فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢] لَمْ يَنْهَهُمْ عَنْ الْمَوْتِ فِي وَقْتٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إلَيْهِمْ وقَوْله تَعَالَى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: ٣] لَفْظُهُ الْخَبَرُ، وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ أَيْ: لَا تَنْكِحُوا. وَلَيْسَتْ حَقِيقَةً فِي الْكُلِّ اتِّفَاقًا بَلْ فِي الْبَعْضِ، وَهُوَ إمَّا تَحْرِيمٌ فَقَطْ، وَإِمَّا الْكَرَاهَةُ فَقَطْ، وَإِمَّا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَوْ هِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا أَقْوَالٌ: وَالْأَوَّلُ مَعْنَوِيٌّ، وَالثَّانِي لَفْظِيٌّ، أَوْ لَا يُدْرَى حَالُ هَذِهِ الْأَقْسَامِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْهَا، أَوْ الْوَقْفُ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْأَمْرِ. وَحَكَى الْغَزَالِيُّ الْقَوْلَ بِالْإِبَاحَةِ هُنَا، وَرَأَيْت مَنْ يُنْكِرُهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ ": إنَّ مَنْ حَمَلَ الْأَمْرَ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَرَفْعِ الْحَرَجِ حَمَلَ هَذَا عَلَى رَفْعِ الْحَرَجِ فِي تَرْكِ الْفِعْلِ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ فِي التَّقْوِيمِ ": لَمْ أَقِفْ عَلَى الْخِلَافِ فِي حُكْمِ النَّهْيِ كَمَا فِي الْأَمْرِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أَقْوَالُهُمْ فِي النَّهْيِ حَسَبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْأَمْرِ، فَمَنْ قَالَ بِالْوَقْفِ ثَمَّ يَقُولُ بِهِ هُنَا، وَمَنْ قَالَ بِالْإِبَاحَةِ ثَمَّ يَقُولُ بِالْإِبَاحَةِ هُنَا، وَهُوَ إبَاحَةُ الِانْتِهَاءِ، وَمَنْ قَالَ بِالنَّدْبِ هُنَاكَ يُنْدِبُ الِانْتِهَاءَ هُنَا، وَمَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ ثَمَّ يَقُولُ بِهِ هَاهُنَا. وَقَالَ الْبَزْدَوِيُّ: إنَّ الْمُعْتَزِلَةَ قَالُوا بِالنَّدْبِ فِي بَابِ الْأَمْرِ، وَفِي النَّهْيِ قَالُوا بِالْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي حُسْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَالْمَنْدُوبُ وَالْوَاجِبُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>