فَالْجُمْهُورُ لَحَظُوا الْمَعْنَى وَأَبُو هَاشِمٍ لَحَظَ اللَّفْظَ، وَالْمَعْنَى أَتَمُّ فِي الِاعْتِبَارِ مِنْ صُورَةِ اللَّفْظِ. وَنَقَلَ التَّبْرِيزِيُّ عَنْ الْغَزَالِيِّ مُوَافَقَةَ أَبِي هَاشِمٍ، وَهُوَ مَعْذُورٌ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمَنْخُولِ " قُبَيْلَ بَابِ الْعُمُومِ: وَأَمَّا التُّرُوكُ فَعِبَارَةٌ عَنْ أَضْدَادِ الْوَاجِبَاتِ، كَالْقُعُودِ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالْقِيَامِ، ثُمَّ بَعْضُ تَرْكِ الْقِيَامِ لَا بِالْقُعُودِ، وَوَافَقَنَا عَلَيْهِ أَبُو هَاشِمٍ الذِّمِّيُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَلَّقَ الذَّمَّ بِالْمَعْدُومِ. انْتَهَى. وَهَذَا النَّقْلُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ مَنْ أُمِرَ بِالْقِيَامِ فَلَمْ يَمْتَثِلْ، عَصَى عِنْدَهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَفْعَلْ الْقِيَامَ لَا لِكَوْنِهِ فَعَلَ التَّرْكَ، وَكَوْنُهُ لَمْ يَفْعَلْ نَفْيٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَعَلَيْهِ يُذَمُّ، وَلِهَذَا سُمِّيَ الذِّمِّيُّ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَصْفَى " فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ التَّرْكِ الْمُجَرَّدِ الْمَقْصُودِ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ مَعَهُ ضِدَّهُ بِالْمُكَلَّفِ فِيهِ بِالْفِعْلِ كَالصَّوْمِ، فَالْكَفُّ مِنْهُ مَقْصُودٌ، وَلِهَذَا وَجَبَ فِيهِ النِّيَّةُ وَبَيْنَ التَّرْكِ الْمَقْصُودِ مِنْ جِهَةِ إيقَاعِ ضِدِّهِ كَالزِّنَا وَالشُّرْبِ فَالْمُكَلَّفُ فِيهِ بِالضِّدِّ. وَتَبِعَهُ الْعَبْدَرِيُّ فِي شَرْحِهِ.
قَالَ: وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ التَّرْكُ مَقْدُورٌ لِلْعَبْدِ فَيَصِحُّ التَّكْلِيفُ كَالْفِعْلِ أَمْ لَا؟ قَالَ: وَهِيَ حِينَئِذٍ كَلَامِيَّةٌ فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْبَحْثِ فِي أَنَّهُ مَقْدُورٌ أَمْ لَا عَلَى هَذِهِ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا إلَّا لِكَيْفِيَّةِ وُقُوعِهِ فِي الشَّرْعِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: التَّحْرِيرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ: الْمَطْلُوبُ فِي النَّهْيِ الِانْتِهَاءُ وَيَلْزَمُ مِنْ الِانْتِهَاءِ فِعْلُ ضِدِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَلَا يُعْكَسُ، فَقَالَ: الْمَطْلُوبُ ضِدُّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ الِانْتِهَاءُ؛ لِأَنَّ الِانْتِهَاءَ مُتَقَدِّمٌ فِي الرُّتْبَةِ فِي الْفِعْلِ عَلَى فِعْلِ الضِّدِّ فَكَانَ مَعَهُ كَالسَّبَبِ مَعَ الْمُسَبَّبِ، فَالِانْتِهَاءُ وَفِعْلُ الضِّدِّ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، لَكِنَّ الِانْتِهَاءَ مُتَقَدِّمٌ بِالرُّتْبَةِ تَقَدُّمَ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ حَتَّى لَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute