وَإِلَّا دَلَّ مَا اتَّصَلَ بِهَذَا إلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لِحَقِّ الْخَلْقِ، وَتَزُولُ الْمَعْصِيَةُ بِإِسْقَاطِ الْمَالِكِ حَقَّهُ بِخِلَافِ مَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ فَلَا يَسْقُطُ بِإِذْنِ أَحَدٍ وَلَا إسْقَاطِهِ. وَاحْتَجَّ بِأَنَّ التَّصْرِيَةَ تَدْلِيسٌ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالنَّهْيُ عَنْهُ عَائِدٌ لِلْمَخْلُوقِ، وَلَمْ يُبْطِلْ الشَّارِعُ الْبَيْعَ الْمُقْتَرِنَ بِهِ، بَلْ أَثْبَتَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَقْتَضِ النَّهْيُ فَسَادَ الْعَقْدِ لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ الْخَلْقِ، وَهَذَا الْقَوْلُ غَرِيبٌ جِدًّا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ النَّهْيَ فِي الْعِبَادَاتِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَنَاهِيهَا لِحَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى، وَالتَّفْصِيلُ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِهَا، وَيَرِدُ عَلَيْهِ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ مِمَّا قِيلَ فِيهَا بِالْفَسَادِ، وَالنَّهْيُ فِيهَا لِحَقِّ الْخَلْقِ، كَالْبَيْعِ الْمُقْتَرِنِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَالْأَجَلِ الْمَجْهُولِ خُصُوصًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَجِيءُ مَا ذَكَرَهُ إلَّا فِي صُوَرٍ قَلِيلَةٍ، وَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ، فَإِنَّهُ فَاسِدٌ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، وَالنَّهْيُ فِيهِ لِحَقِّ اللَّهِ.
إذَا عَلِمْت هَذَا فَهَاهُنَا أُمُورٌ: [إطْلَاقُ النَّهْيِ هَلْ يَقْتَضِي الْفَسَادَ] أَحَدُهَا: إذَا اخْتَصَرْت مَا سَبَقَ قُلْت: الْمَنْهِيُّ عَنْهُ إمَّا تَمَامُ الْمَاهِيَّةِ أَوْ جُزْؤُهَا أَوْ لَازِمٌ لَهَا أَوْ خَارِجٌ مُقَارِنٌ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، فَالْأَوَّلَانِ يُفِيدَانِ الْفَسَادَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: لِتَمَكُّنِ الْمَفْسَدَةِ مِنْ جَوْهَرِ الْمَاهِيَّةِ، ثُمَّ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ يَقُولَانِ: إطْلَاقُ النَّهْيِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ بِظَاهِرِهِ فِيمَا أُضِيفَ إلَيْهِ وَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ يَصْرِفُ النَّهْيَ إلَى خَارِجٍ مُقَارِنٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute