للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَلْ يَقْتَضِي الْفَسَادَ أَمْ لَا؟ وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي نَهْيِ التَّنْزِيهِ؛ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ إنَّمَا يَجِيءُ إذَا كَانَ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ.

وَعَلَى تَقْدِيرِ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ فَذَلِكَ التَّضَادُّ إنَّمَا يَجِيءُ فِيمَا هُوَ وَاجِبٌ خَاصَّةً لِمَا بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالْكَرَاهَةِ مِنْ التَّبَايُنِ، فَأَمَّا الصِّحَّةُ مَعَ الْإِبَاحَةِ كَمَا فِي الْعُقُودِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا تَنْزِيهًا فَلَا تَضَادَّ حِينَئِذٍ، وَالْفَسَادُ مُخْتَصٌّ بِمَا كَانَ النَّهْيُ فِيهِ لِلتَّحْرِيمِ. الْأَمْرُ الْخَامِسُ: أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَقْتَضِي الْفَسَادَ أَمْ لَا؟ إنَّمَا هُوَ فِي الْفَسَادِ بِمَعْنَى الْبُطْلَانِ عَلَى رَأْيِنَا أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ، لَا بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ: نَبَّهَ عَلَيْهِ الْهِنْدِيُّ وَأَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ فُورَكٍ. السَّادِسُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْفَسَادَ إذَا أُطْلِقَ فِي الْعِبَادَاتِ أُرِيدَ بِهِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَإِذَا أُطْلِقَ فِي الْمُعَامَلَاتِ أُرِيدَ بِهِ عَدَمُ تَرَتُّبِ آثَارِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا مِنْ اللُّزُومِ وَانْتِقَالِ الْمِلْكِ وَصِحَّةِ التَّصَرُّفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ. وَعَلَى هَذَا فَإِذَا قِيلَ: النَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ إذَا قُدِّرَ وُقُوعُهُ لَا يُجْزِئُ فِي نَفْسِهِ إنْ كَانَ عِبَادَةً، وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ إنْ كَانَ مُعَامَلَةً وَإِذَا قِيلَ: لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ كَالْمَنْقُولِ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ فَفَاسِدٌ؛ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ صِيغَةَ النَّهْيِ لَا تَنْصَرِفُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَيْنِك الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَانَ أَقْرَبَ، فَإِنَّ الْفَسَادَ حِينَئِذٍ إنَّمَا يَأْخُذُونَهُ مِنْ الْقَرَائِنِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ: أَنَّ الصِّيغَةَ لَوْ دَلَّتْ عَلَيْهِ، فَأَمَّا مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ لَا يُتَلَقَّى مِنْ اللُّغَةِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ يَدُلُّ عَلَيْهِ. السَّابِعُ: قَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِي تَفْسِيرِ الْفَسَادِ فِي الْعِبَادَاتِ. قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَهَبَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إلَى أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>