للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَائِلِينَ بِالْحَقِيقَةِ وَالْقَائِلِينَ بِالْمَجَازِ، وَلَمْ يَخْتَرْ مِنْهَا شَيْئًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ.

وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ: مِنْهَا أَنَّ الْمَفْهُومَ لَا عُمُومَ لَهُ عَلَى رَأْيِ الْغَزَالِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظٍ. وَمِنْهَا: دَلَالَةُ الِاقْتِضَاءِ هَلْ هِيَ عَامَّةٌ أَمْ لَا؟ وَمِنْ ثَمَّ يَنْبَغِي تَأَمُّلُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعَانِي حَقِيقَةً، وَأَنَّ الْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْعَقْلَ هَلْ يَخْتَصُّ؟ وَمِنْهَا: سُكُوتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ يَكُونُ دَلِيلًا عَامًّا؟ تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: ظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعَانِي هُنَا الْمَعَانِي الْمُسْتَقِلَّةُ، وَلِهَذَا مَثَّلُوهُ بِالْمَفْهُومِ وَالْمُقْتَضَى، لَا الْمَعَانِي التَّابِعَةِ لِلْأَلْفَاظِ، فَتِلْكَ لَا خِلَافَ فِي عُمُومِهَا، لِأَنَّ لَفْظَهَا عَامٌّ.

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: اعْلَمْ أَنَّا كَمَا نَقُولُ: لَفْظٌ عَامٌّ، أَيْ شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَفْرَادِهِ، كَذَلِكَ نَقُولُ لِلْمَعْنَى: إنَّهُ عَامٌّ أَيْضًا، فَنَقُولُ: الْحَيَوَانُ عَامٌّ فِي النَّاطِقِ وَالْبَهِيمَةِ، وَالْعَدَدُ عَامٌّ فِي الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ، وَاللَّوْنُ عَامٌّ فِي السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، وَالْمَطَرُ عَامٌّ. وَهَذِهِ كُلُّهَا عُمُومَاتٌ مَعْنَوِيَّةٌ، لَا لَفْظِيَّةٌ، فَإِنَّا نَحْكُمُ بِالْعُمُومِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي عِنْدَ تَصَوُّرِنَا لَهَا، وَإِنْ جَهِلْنَا اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ بِإِزَائِهَا: هَلْ هُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ عَجَمِيٌّ؟ شَامِلٌ أَوْ غَيْرُ شَامِلٍ؟ وَأَمَّا عُمُومُ اللَّفْظِ فَلَا نَقُولُ: هَذَا اللَّفْظُ عَامٌّ حَتَّى نَتَصَوَّرَ اللَّفْظَ نَفْسَهُ، وَنَعْلَمَ مِنْ أَيِّ لُغَةٍ هُوَ، وَهَلْ وَضَعَهُ أَهْلُ تِلْكَ اللُّغَةِ عَامًّا شَامِلًا أَوْ غَيْرَ شَامِلٍ؟ فَلَوْ وَجَدْنَاهُ شَامِلًا سَمَّيْنَاهُ عَامًّا، وَإِنْ لَمْ نَجِدْهُ شَامِلًا لَمْ نُسَمِّهِ عَامًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>