فَقَالُوا: إنَّا نَعْلَمُ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِيَجُوزَ إطْلَاقُهُ؛ وَجَعَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْخِلَافَ فِي غَيْرِ الصِّيَغِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَأَمَّا هِيَ فَلَا خِلَافَ فِي اقْتِضَائِهَا الْعُمُومَ. وَحَكَى الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ "، وَتَبِعَهُ هُوَ فِي " التَّلْخِيصِ " الْخِلَافَ مَعَ التَّأْكِيدِ أَيْضًا. نَعَمْ قَالَ بَعْضُهُمْ: مَا يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ مِنْ الصِّيَغِ بِحُكْمِ الْقَرَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ إمَّا عُرْفًا أَوْ عَقْلًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَا خِلَافَ فِيهِ، فَإِنَّ الْمُخَالِفَ فِي الْعُمُومِ لَمْ يُنْكِرْ أَنَّ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ، فَإِنَّ الْعُمُومَ وَقَصْدَ إفَادَتِهِ ضَرُورِيٌّ.
وَأَمَّا الْمُنْكِرُونَ فَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ لِلْعُمُومِ صِيغَةٌ خَاصَّةٌ مَوْضُوعَةٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ. وَجَعَلَ غَيْرُهُ مَنْشَأَ الْخِلَافِ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّأْكِيدَ بِالْجَمْعِ فِي لَفْظِ الْجَمْعِ هَلْ إنَّمَا حَسُنَ لِمَكَانِ احْتِمَالِ إرَادَةِ الْخُصُوصِ، أَوْ لِكَوْنِ اللَّفْظِ صَالِحًا لِلِاسْتِيعَابِ؟ وَالثَّانِي: هُوَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هَلْ هُوَ اسْتِخْرَاجُ مَا تَتَنَاوَلُهُ الصِّيغَةُ؟ أَوْ مَا يَجِبُ دُخُولُهُ تَحْتَ الصِّيغَةِ؟ أَمْ هُوَ اسْتِخْرَاجُ مَا اللَّفْظُ صَالِحٌ لِتَنَاوُلِهِ؟ وَمَأْخَذُ قَوْلِ الْوَقْفِ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْأَشْعَرِيَّ لَمَّا تَكَلَّمَ مَعَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي عُمُومَاتِ الْوَعِيدِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَقَوْلِهِ: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: ١٤] وَقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} [الجن: ٢٣] وَنَحْوِهِ، وَمَعَ الْمُرْجِئَةِ فِي عُمُومِ الْوَعْدِ، نَفَى أَنْ يَكُونَ هَذِهِ الصِّيَغُ مَوْضُوعَةً لِلْعُمُومِ، وَتَوَقَّفَ فِيهَا، وَتَبِعَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute