التَّقْرِيبِ ": ذَهَبَ الْجُمْهُورُ سِيَّمَا الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الْمُكَلَّفُ اللَّفْظَ الْعَامَّ، وَلَا يَسْمَعَ الْمُخَصَّصَ إذَا كَانَ لَهُ مُخَصِّصٌ فِي أَدِلَّةِ الشَّرْعِ، وَعَلَيْهِ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ مُخَصِّصٌ لَبَلَغَهُ، فَإِنْ وَجَدَهُ وَإِلَّا اعْتَقَدَ عُمُومَهُ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْمِعَ اللَّهُ وَاحِدًا مِنْ الْمُكَلَّفِينَ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ، وَلَا يُسْمِعَهُ خُصُوصَهُ؛ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُسْمِعَهُ إيَّاهُمَا أَوْ يَصْرِفَهُ عَنْ سَمَاعِ الْعُمُومِ إذَا لَمْ يَسْمَعْ الْخُصُوصَ.
قُلْت: وَنَقَلَهُ صَاحِبُ " الْمُعْتَمَدِ "، وَالْمَحْصُولِ " عَنْ الْجُبَّائِيُّ وَأَبِي الْهُذَيْلِ، قَالَ صَاحِبُ " الْوَاضِحِ ": وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ، قَالَ: وَكَذَا كَانَ يَقُولُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَاتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعُمُومُ مَخْصُوصًا بِدَلِيلِ الْعَقْلِ جَازَ أَنْ يَسْمَعَهُ مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ نَظَرُهُ فِي الدَّلِيلِ عَلَى تَخْصِيصِهِ، وَأَنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ الْمُخَصِّصَ لَهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ، لِتَقَدُّمِ الْعَقْلِ عَلَى السَّمْعِ، وَهُوَ مِنْ أَوْضَحِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ، فَإِنَّهُ إذَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ جَازَ فِي السَّمْعِيَّةِ. قَالَ الْقَاضِي: وَيَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَهُ الْمَنْسُوخُ، وَلَا يَبْلُغَهُ النَّاسِخُ، وَحَكَى صَاحِبُ " الْوَاضِحِ " الْمُعْتَزِلِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ، ثَالِثَهَا: التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْمُخَصِّصِ الْعَقْلِيِّ فَيَجُوزُ، وَالسَّمْعِيِّ فَلَا يَجُوزُ، وَحَكَاهُ فِي " الْمُعْتَمَدِ " عَنْ الْجُبَّائِيُّ وَأَبِي الْهُذَيْلِ. وَمِمَّنْ تَبِعَ الْقَاضِي فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْإِمَامُ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَالْغَزَالِيُّ فِي " الْمُسْتَصْفَى " قَالَ: وَنَحْنُ نَقُولُ: يَجِبُ عَلَى الشَّارِعِ أَنْ يَذْكُرَ دَلِيلَ الْخُصُوصِ، إمَّا مُقْتَرِنًا أَوْ مُتَرَاخِيًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ كُلِّ مُحْتَمِلٍ يَبْلُغُهُ الْعُمُومُ أَنْ يَبْلُغَهُ الْخُصُوصُ؛ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَغْفُلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute