إلَيْهِنَّ، وَالْمُكَاتَبَاتُ نَادِرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَاءِ، فَلَا يَجُوزُ تَنْزِيلُ الْعَامِّ عَلَيْهَا. وَذَكَرَ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلًا، فَقَالَ: تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِالصُّورَةِ النَّادِرَةِ إنْ تَقَدَّمَ عَهْدٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ لَمْ يَبْعُدْ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَيُّمَا رَجُلٍ دَخَلَ الدَّارَ أَكْرِمْهُ، ثُمَّ يَقُولُ: عَنَيْت بِهِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ مِنْ خَوَاصِّي وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ سَبْقُ عَهْدٍ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقِيلَ: يَجُوزُ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ بِهِ اتِّكَالًا عَلَى احْتِمَالِ اللَّفْظِ الْقَرَائِنَ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إزَالَةُ الظَّاهِرِ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيرِ حِكَايَاتٍ وَقَرَائِنَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَسْلَمُ عَنْهُ حَدِيثٌ؛ وَبِالْجُمْلَةِ فَيُمْكِنُ أَخْذُ الْخِلَافِ مِنْ هَذِهِ الصُّورَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا، لِأَنَّ جَوَازَ التَّخْصِيصِ فَرْعُ شُمُولِ اللَّفْظِ. وَقَدْ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إطْلَاقَ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَالَ: لَا يَتَبَيَّنُ لِي فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، فَكَيْفَ يُقَالُ: لَا يَخْطِرُ بِالْبَالِ؟ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ الْخُطُورِ بِبَالِ الْعَرَبِ فِي مُخَاطَبَاتِهَا، فَإِذَا كَانَتْ عَوَائِدُهُمْ إطْلَاقَ الْعَامِّ الَّذِي يَشْمَلُ وَضْعًا، صُورَةً لَا تَخْطِرُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ غَالِبًا بِبَالِهِمْ، فَوَرَدَ ذَلِكَ الْعَامُّ فِي كَلَامِ الْبَارِي تَعَالَى، قُلْنَا: إنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ تِلْكَ الصُّورَةَ، لِأَنَّهُ أَنْزَلَ كِتَابَهُ عَلَى أُسْلُوبِ [الْعَرَبِ] فِي مُحَاوَرَاتِهَا وَعَادَاتِهَا فِي الْخِطَابِ. تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ فِي بَابِ الْمُسَابَقَةِ: كَلَامُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْعَامِّ مَا خَطَرَ لَا لِلَّافِظِ بِهِ حِينَ النُّطْقِ بِهِ، وَهَذَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا قُلْنَا: إنَّ جَمِيعَ مَا يَقُولُهُ عَنْ وَحْيٍ وَاجْتِهَادٍ، أَمَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ جَمِيعَ مَا يَقُولُهُ عَنْ وَحْيٍ، فَلَا يَظْهَرُ اعْتِبَارُهُ، لِأَنَّ مُوحِيَهُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ. وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute