الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْمُلَخَّصِ " وَقَالَ: ذَهَبَ مُتَقَدِّمُو أَصْحَابِنَا إلَى وُجُوبِ وَقْفِ الْعُمُومِ عَلَى مَا قَصَدَ بِهِ، وَأَنْ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَإِنْ كَانَتْ الصِّيغَةُ تَقْتَضِيهِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ.
وَذَهَبَ أَكْثَرُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا إلَى مَنْعِ الْوَقْفِ فِيهِ، وَوُجُوبِ إجْرَائِهِ عَلَى مُوجِبِهِ لُغَةً. قَالَ: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: ١٨٧] إلَى قَوْلِهِ: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: ١٨٧] عَلَى إبَاحَةِ كُلِّ نَوْعٍ مُخْتَلَفٍ فِي جَوَازِ أَكْلِهِ، أَوْ شُرْبِ بَعْضِ مَا يَخْتَلِفُ فِي شُرْبِهِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ فِي لَيْلَةِ الصِّيَامِ لَا يَحْرُمُ بَعْدَ النَّوْمِ نَسْخًا لِمَا تَقَدَّمَ. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: ٣٤] الْآيَةَ، عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي نَذْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ أَوْ نَوْعٍ مُخْتَلَفٍ فِي تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهِ، وَكَذَلِكَ التَّعَلُّقُ بِالْخِطَابِ الْخَارِجِ عَلَى الْمَدْحِ وَالذَّمِّ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: ٥] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: ٦] عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَنَحْوِهِ.
قُلْت: وَسَتَأْتِي تَرْجَمَةُ الْمَسْأَلَةِ بِ " الْعَامِّ بِمَعْنَى الْمَدْحِ، وَالذَّمُّ هَلْ هُوَ عَامٌّ أَوْ لَا؟ فَهِيَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ هَذِهِ، فَيُعَابُ عَلَى مَنْ ذَكَرَهُمَا فِي كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِ تَنْبِيهٍ إلَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ، وَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَرَى وَقْفَهُ عَلَى مَا قَصَدَ بِهِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ عَامٍّ، وَلِهَذَا مَنَعَ الزَّكَاةَ فِي الْحُلِيِّ مَنَعَ التَّمَسُّكَ فِي الْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: ٣٤] لِأَنَّ الْعُمُومَ لَمْ يَقَعْ مَقْصُودًا، وَإِنَّمَا وَقَعَ هُنَا قَرِينَةَ الذَّمِّ، وَقَرِينَةُ الذَّمِّ أَخْرَجَتْهُ عَنْ الْعُمُومِ، وَالْحَنَفِيَّةُ يَمِيلُونَ إلَيْهِ، وَيَبْنُونَ عَلَيْهِ أُصُولًا فِي بَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute