لِسَلْبِ الْعُمُومِ. قُلْت: الشَّرْطُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى لَفْظٍ عَامٍّ تَحْتَهُ مُتَعَدِّدٌ، فَإِذَا سُلِبَ عُمُومُهُ نُفِيَ الْحُكْمُ عَنْ بَعْضِ الْأَفْرَادِ، نَحْوُ: لَمْ أَضْرِبْ كُلَّ الرِّجَالِ، بِخِلَافِ لَا يَسْتَوِيَانِ، فَإِنَّ السَّلْبَ دَخَلَ عَلَى مَاهِيَّةِ الِاسْتِوَاءِ، وَالْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ لَا تَعَدُّدَ فِيهَا وَلَا اتِّحَادَ، فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ سَلْبِهَا شَيْءٌ يَثْبُتُ لَهُ الْحُكْمُ، فَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مِنْ بَابِ عُمُومِ السَّلْبِ لَا سَلْبِ الْعُمُومِ.
وَأَمَّا ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنَّهُ لَمَّا رَأَى الْمَبَاحِثَ مُتَقَابِلَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَدَلَ عَنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَأَحَالَ الْعُمُومَ عَلَى النَّفْيِ، فَإِنَّ الْفِعْلَ لَمَّا وَقَعَ فِي جَانِبِ النَّفْيِ كَانَ نَفْيًا لِمَصْدَرِهِ كَمَا سَيَأْتِي، فَلِذَلِكَ قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ النَّفْيِ، وَهُوَ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ الْآمِدِيُّ.
وَسَلَكَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ طَرِيقَةً أُخْرَى، فَحَكَى عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُجْمَلِ، لِأَنَّ نَفْيَ الِاسْتِوَاءِ إذَا أُطْلِقَ فِيمَا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّهُ مُتَمَاثِلٌ بِالذَّاتِ إنَّمَا يَعْنِي بِهِ فِي بَعْضِ أَوْصَافِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ بَيِّنٍ مِنْ اللَّفْظِ، فَهُوَ مُجْمَلٌ؛ إذْ قَالَ: وَمَتَى عُقِّبَ هَذَا النَّوْعُ بِشَيْءٍ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِيهِ، وَجَبَ حَمْلُ أَوَّلِهِ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ، وَلِذَا قَالَ فِي آخِرِهِ: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر: ٢٠] وَعَلَيْهِ جَرَى الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ.
فَقَالَ: الْحَقُّ أَنَّ قَوْلَهُ: يَسْتَوِي أَوْ لَا يَسْتَوِي، مِنْ بَابِ الْمُجْمَلِ مِنْ الْمُتَوَاطِئِ، لَا مِنْ بَابِ الْعَامِّ، وَنَظِيرُهُ: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] .
وَنَظِيرُ هَذَا الْخِلَافِ خِلَافُ الْأُصُولِيِّينَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران: ٣٦] هَلْ هُوَ عَامٌّ حَتَّى يَخُصَّ مَا يَخُصُّ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute