وَزَعَمَتْ الْفَلَاسِفَةُ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَكُونُ إلَّا مُرَكَّبًا مِنْ جِنْسٍ وَفَصْلٍ. وَزَعَمُوا أَنَّ مَا اطَّرَدَ بِوَصْفٍ وَاحِدٍ وَانْعَكَسَ فَهُوَ رَسْمٌ لَا حَدٌّ، وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ قَوْلَنَا: الْإِنْسَانُ هُوَ الضَّاحِكُ رَسْمٌ، وَقَوْلُهُمْ: الْإِنْسَانُ حَيٌّ نَاطِقٌ مَائِتٌ حَدٌّ؛ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ جِنْسٍ وَفَصْلٍ. انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِمَنْعِ التَّرْكِيبِ تَكْلِيفَ الْمَسْئُولِ أَنْ يَأْتِيَ فِي حَدِّ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ بِعِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ، إذْ الْمَقْصُودُ اتِّحَادُ الْمَعْنَى بِدُونِ اللَّفْظِ، وَالْعِبَارَاتُ لَا تُقْصَدُ لِأَنْفُسِهَا، وَلَيْسَتْ هِيَ حُدُودًا بَلْ مُنْبِئَةٌ عَنْ الْحُدُودِ. {تَنْبِيهٌ} ظَاهِرُ كَلَامِ الْأُسْتَاذِ أَنَّ خِلَافَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمَنْطِقِيِّينَ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَقَالَ الْمُقْتَرِحُ: لَمْ يَتَوَارَدْ كَلَامُهُمَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ. بَلْ الْمُرَادَانِ مُتَغَايِرَانِ، فَمُرَادُ الْمَنْطِقِيِّينَ بِالتَّرْكِيبِ هُوَ الْمُرَكَّبُ مِنْ جِنْسٍ وَفَصْلٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْحَدِّ، وَالتَّرْكِيبُ الَّذِي أَرَادَهُ الْأُصُولِيُّونَ هُوَ تَدَاخُلُ الْحَقَائِقِ، وَهُوَ مُبْطِلٌ لِلْمَحْدُودِ. مِثَالُهُ: إذَا حُدَّ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ الَّذِي يَصِحُّ مِنْ الْمُتَّصِفِ بِهِ إحْكَامُ الْفِعْلِ وَإِتْقَانُهُ، فَيُقَالُ: هَذَا فِيهِ تَرْكِيبٌ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ، فَتَكُونُ الْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ عِلْمًا؛ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ دَاخِلَتَيْنِ فِي الْعِلْمِ لَزِمَ التَّرْكِيبُ الْمُفْسِدُ لِلْحَدِّ، وَإِنْ كَانَتَا خَارِجَتَيْنِ عَنْ الْعِلْمِ، فَالْعِلْمُ بِانْفِرَادِهِ لَا يَصِحُّ بِهِ الْإِحْكَامُ؛ لِأَنَّ الْعَالِمَ الْعَاجِزَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِحْكَامُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute